للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يعوده المسلمون، وألا يتركوه؛ لأن هذا انفصام عُرى بين المسلم وأخيه، أخوك له مدة منحبس في بيته من المرض لا يعوده أحد من الناس! فالصواب: أن عوده أو أن عيادته فرض كفاية، إذا علمت أن أحدا لم يأت من الناس وجب عليك أن تذهب أنت بنفسك وتعوده.

ومن فوائده: أنه إذا مرض مرضا لا يقعده فإن عيادته ليست حقّا علينا، وجه ذلك أن العيادة إنما تكون لمنحبس وأما من كان يمشي مع الناس ويذهب ويجيء، لكن في عينه مرض أو في وجهه جرح أو غير ذلك فهذا لا يُعاد، وإنما يُعاد من حُبس، ولم يذكر في هذا الحديث ماذا عليه عند العيادة هل يخفف العيادة أو يتباطأ فيها؟ هل يتكلم فيها؟ هل يسكت؟

يقال: يُراعى في ذلك حال المريض، إذا كان المريض يأنس لك وتعرف أنه منشرح صدره ويحب أن تبقى وأن تحدثه فالأفضل أن تجلس وتحدثه، وأما إذا عرفت أنه قلق وأنه يحب أن ينفرد بأهله دون غيرهم من الناس فالأفضل التخفيف، كذلك أيضا إذا رأيت من المناسبة أن تتلو عليه آيات تحث على الصبر، ويتبين له ثواب الصابرين، والأحاديث كذلك فافعل، فإن رأيت أنه يحب (الكلام عما سبق) وأنك تقول له: أتذكر يوم كذا ويوم كذا فاعمل ما يدخل السرور عليه.

هل يعود غير المسلم؟ الجواب: فيه تفصيل إن كان في ذلك مصلحة فلا بأس أن يعوده، مثل أن يكون هذا المريض من غير المسلمين قريبًا إلى الإسلام وأن الإنسان إذا ذهب وعرض عليه الإسلام فربما يُسلم فهنا نقول: عيادتك هنا مطلوبة من أجل ما يترتب عليها من المصلحة والنبي (صلى الله عليه وسلم) عاد عمه وهو في مرضه، وعاد يهوديا في المدينة وهو في مرضه وعرض عليه الإسلام فأسلم، فإذا علمت أنك إذا ذهبت إلى هذا الكافر وعرضت عليه الإسلام أنه قريب فافعل، وإلا فلا تعد إلا إذا كانت عيادته من صلة الرحم فعده؛ لأن صلة الرحم حق لمن كان مسلمًا ومَن كان كافراً؛ لقوله تعالى في الوالدين: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: ١٥].

[آداب اتباع الجنائز]

ومن فوائد الحديث: من حق المسلم إذا مات أن نتبعه لقوله: «وإذا مات فاتبعه»، واتباع الجنائز فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، ودليل هذا من السُنة كثير جدا.

ومنها: مُر بجنازة بالنبى (صلى الله عليه وسلم) وهو جالس بأصحابه فأثنوا عليها خيرا فقال: وجبت، وأخرى أثنوا عليها شرا فقال: وجبت، ولم يذكر أنه قام واتبعها، والشواهد على هذا كثيرة، بمعنى: أن اتباع الجنائز فرض كفاية وليس بواجب على العين.

<<  <  ج: ص:  >  >>