على كل حال: النصوص في هذا تنقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم يصرح فيه بالرفع، وقسم يصرح فيه بعدم الرفع، وينكر على الرافع، كما في حديث بشر بن مروان أنكروا عليه حين رفع يديه في الخطبة، وقسم يظهر فيه عدم الرفع فنأخذ فيها بالظاهر؛ لأن هذا أبلغ ما عندنا، وقسم آخر لا يظهر فيه الشيء فهو الذي يختلف فيه، إن قلنا: إن الأصل الرفع رفعنا، وإن قلنا: الأصل عدم الرفع لم نرفع. ثم قال المؤلف:
* * *
[١٧ - باب اللباس]
السؤال الأول: لماذا جعل المؤلف باب اللباس هنا بعد صلاة الاستسقاء مع أن المعروف عند أكثر أهل العلم أنهم يجعلونه في باب شروط الصلاة؟
الظاهر- والله أعلم-: أنه لما كان اللباس لا بد منه في الصلاة جعله في آخر كتاب الصلاة، وإلا فالأوجه أن يكون في باب شروط الصلاة؛ لأن من شروط الصلاة ستر العورة بالثياب.
اللباس نوعان: لباس حسي مادي، ولباس معنوي روحي، كما يقولون، وإن كنت لا أحب أن أقول: روح وجسد؛ لأنهما متلازمان، والنعيم الذي للروح يحصل بالجسد، لكني أقول: إن اللباس نوعان: لباس حسي، ولباس معنوي، وقد أشار الله تعالى إليهما في قوله:{يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوءاتكم وريشًا ولباس التقوى ذلك خير}[الأعراف: ٢٦]. قسم الله تعالى اللباس الحسي إلى قسمين: قسم ضروري لا بد منه، وهو ما يواري السوآت، وقسم كمالي زينة وهو ما ذكره في قوله:{وريشا}؛ لأن هذا من باب الكمال وليس من باب الضرورة، وكلاهما من نعم الله عز وجل.
ومن حكمة الله- سبحانه وتعالى- أن جعل بشرة الإنسان بادية لا تغطى بلباس، وأما غيره من البهائم- فيما نعلم- فإنه مغطى بلباس شعر، ووبر، وصوف، وريش، وزعانف، وأشياء أخرى مما هو معلوم، والحكمة في هذا- والله أعلم- من أجل أن يعلم الإنسان أنه مفتقر إلى اللباس المعنوي كما هو مفتقر إلى اللباس الحسي، فيتذكر لحاجته إلى هذا اللباس أنه محتاج أيضًا إلى اللباس الذي هو خير منه، وهو لباس التقوى هذا من جهة، ومن جهة أخرى أن غير الإنسان ليس له عقل يهتدي به الاهتداء الكامل إلى تحصيل لباسه، وإن كان بعض الأحيان ربما إذا أصيب بشيء بحت شعره ربما يحاول أن يتخذ من الأشعار أو غيرها ملجأ يستجير به، لكن الإنسان له عقل يهتدي به، وهو إذا رأى نفسه مجردًا من اللباس الساتر سعى في حصول ذلك.
فالحاصل: أن اللباس ضرورة لبني آدم، وهو كما سمعتم ينقسم إلى قسمين: ضروري، والثاني: كمالي.
أما اللباس المعنوي- وهو لباس التقوى- فإنه خير وبه يحصل اللباس الحسي: {ومن يتق الله يجعل له مخرجًا (٢) ويرزقه من حيث لا يحتسب} [الطلاق: ٢ - ٣].