للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإلا فلا نرفع، وإذا قلنا: إن الأصل المشروعية، فمعنى ذلك: أننا نرفع أيدينا إلى الله بكل دعاء، إلا ما ورد النص بعدمه، وأسألكم الآن: ماذا تتصرفون؟ نرفع إلا ما ورد النص بعدمه، وهذا هو الأقرب للدلالة الأثرية والنظرية.

أما الدلالة الأثرية: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل رفع اليدين من أسباب الدعاء، وذلك في الحديث الذي رواه مسلم في قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر المرسلين" فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون} [البقرة: ١٧٢]. وقال تعالى: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات} [المؤمنون: ٥١]. الأمر واحد {واعملوا صالحًا إني بما تعملون عليم}. ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: "الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك". لماذا ذكر الأوصاف الأربعة؟ لأنها من أسباب إجابة الدعاء؛ إذن فرفع اليدين من أسباب إجابة الدعاء.

ويؤيده أيضًا ما رواه أحمد في المسند: "إن الله حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه أن يردهما صفرًا". فهذا دليل على أن المشروع أن ترفع يديك.

أما من الناحية النظرية: فلأن الداعي يسأل ودعاء المسئول الذي يتلقى به المطلوب اليدان، ثم إن الإنسان يجد من نفسه إذا رفع يديه أن قلبه يرتفع أكثر مما لو دعا هكذا.

فالظاهر لي أن الأصل في الدعاء الرفع إلا ماورد النص بعدمه، فمثلًا الدعاء في الصلاة لا رفع فيه، لا دعاء الاستفتاح: "اللهم باعد بيني وبين خطاياي"، ولا دعاء الجلسة بين السجدتين، ولا دعاء الرفع من الركوع، ولا الدعاء في التشهد، كل هذا لم يرد، بل الذي يظهر عكسه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لو فعله لكان الصحابة ينقلونه؛ لأنه مما تتوفر الدواعي على نقله، ثم إننا نعلم أن وضع اليدين في حال القيام على الصدر، أو على الأقل نعلم أن الرسول يضع اليمنى على اليسرى وفي التشهد والجلوس بين السجدتين على الفخذين، إذن فهذا دليل على عدم الرفع.

بعد السلام يقول: أستغفر الله ثلاثًا فهل يرفع يديه؟ لا، ما الذي يدرينا؟ لم يرد ما دام قلنا: إن الأصل الرفع، ولكن عندنا قرينة قوية هنا تدل على أنه لم يرفع، ما هي؟ أن الصحابة يشاهدونه، وإذا كانوا ينقلون إشارة أصبعه في التشهد كيف لا ينقلون الرفع إذا سلم، فهذا دليل على أنه كان لا يرفع وهذا هو الصحيح.

إذا انتهينا من إجابة المؤذن هل نرفع أيدينا أو لا؟ نرفع، ولو قال أحد: لا نرفع نقول: ما الأصل، وإلا فارجعوا عن قولكم إن الأصل الرفع، وقولوا: الأصل عدم الرفع.

<<  <  ج: ص:  >  >>