بخلقه ولا يسلط عليه العقل الذي يسلط على ما يوصف به الخلق، فالله تعالى يمكن أن يوصف بهذا، ولا يمكن التعارض بما وصف الله به نفسه.
حكم رفع اليدين في الدعاء:
٤٩٦ - وعن أنسٍ رضي الله عنه:"أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء". أخرجه مسلم.
تقدم لنا أن مادة "استفعل" تدل على طلب الشيء، "استغفر": طلب المغفرة، "استسقى": طلب السقيا، ولكنها أحيانًا لا تدل على ذلك، أحيانًا تدل على الاختصاص بهذا المعنى مع المبالغة فيه مثل "استكبر"؛ لأن استكبر ليس معناها: طب الكبر، لكن المعنى: بلغ في الكبر غايته؛ لأنهم يقولون: إن زيادة المبني على زيادة المعنى، يعني: كلما زادت حروف الكلمة دل ذلك على زيادة في معناها، وهذه ليست قاعدة مطردة ولكنها غالبية، وإلا فإن كلمة "بقرة" و"بقر" أيهما أكثر معنى؟ "بقر"، وهي أقل حروفًا.
يقول:"استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء" اختلف شراح هذا الحديث في معنى كلمة: "أشار بظهر كفيه" هل المعنى: جعل ظهور كفيه إلى السماء، أو أن المعنى: رفع رفعًا بالغًا حتى كانت ظهور كفيه تشير إلى السماء؟ فيها قولان لأهل العلم، منهم من قال: إن المعنى أنه جعل ظهورهما إلى السماء، وبنى على ذلك قاعدة مبنية على حديث ضعيف، ورأوا أن الدعاء إذا كان بصرف ما يضر فهو بظهور الكفين، وإذا كان بطلب ما ينفع فهو بالبطون، كأن الإنسان في النافع يقول: هكذا بيديه ... ليفرغ فيها الشيء، كالمستجدي، وأما الظهور فيقول: هكذا ... كالذي يدفع، ولكننا نقول: هذه القاعدة ينقضها هذا الحديث؛ لأن الرسول إذا استسقى ماذا يطلب؟ يطلب غيثًا، يطلب شيئًا نافعًا تزول به المضرة؛ ولهذا فإن شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله: إنه لا يشرع الدعاء برفع اليدين مقلوبًا في جميع الأحوال سواء كان ذلك في طلب محبوب أو في دفع مكروه، وأن معنى هذا الحديث: أنه للمبالغة في رفعهما؛ لأنه بالغ الرسول صلى الله عليه وسلم في الرفع حتى صار ظهورهما تشير إلى السماء، وقد ثبت أنه دعا حتى بدا بياض إبطيه، وهذا هو الأصح، وأنه ليس من المشروع أن يدعو الإنسان بظهر كفيه، بل إنما يدعو ببطون كفيه؛ لأنه يستجدي ويستطعم من الله عز وجل فهذا هو الصحيح.
وفي الحديث دليل على علو الله لقوله:"إلى السماء"، إشارة إلى علو المدعو- سبحانه وتعالى- يبقى النظر، هل يشرع للإنسان رفع اليدين كلما دعا أو الأصل عدم مشروعية ذلك؟ إذا قلنا: إن الأصل عدم المشروعية فمعنى ذلك: أننا لا نرفع أيدينا في دعاء إلا إذا ورد به النص،