أما الدليل الرابع: فهو دليل العقل، أن الله تعالى بذاته فوق كل شيء، كيف ذلك؟ دليل العقل من ناحيتين: الناحية الأولى: أن نقول: هذا العلو صفة كمال أو صفة نقص؟ صفة كمال حتى السوقة إذا أراد أحدهم أن يقدح في أحد قال: يا سلفي، لأنه معروف عند كل أحد أن السفول نقص إذا كان العلو صفة كمال، والرب عز وجل قال عن نفسه:{وله المثل الأعلى}[الروم: ٣٧]. قاعدة: كل مثل أعلى- يعني: كل وصف أعلى- فلمن؟ لله عز وجل؛ فوجب أن يكون العلو ثابتًا له.
أما الوجه الثاني: فنقول: لا يخلو أن يكون الرب عز وجل فوق الخلق أو تحت الخلق أو مساويًا للخق، ننظر الآن هذا سبر وتقسيم إما فوق الخلق أو تحتهم أو محايزًا لهم- يعني: موازيًا لهم- والأمران الأخيران ممتنعان؛ لأنه يمتنع كونه تحتهم، إذا كان الخلق فوق الخالق لم يستحق أن يكون خالقًا مدبرًا، لأنه تحت وهم عليه وفوقه مسيطرون، كيف يكون خالقًا إذا كان عن أيمانهم أو عن شمائلهم؟ لأن ذلك من لوازم أن يكون مساويًا لهم، وموازيًا لهم، والفرق بين الخالق والمخلوق أمر معلوم بضرورة العقل، ما الذي يبقى أنه فوق فيكون العقل مقررًا بفوقية الله عز وجل من الناحيتين.
النوع الخامس من الأدلة: هو إجماع الصحابة والتابعين وسلف الأمة وأئمتها، ليس فيهم أحد قال إن الله ليس في السماء، ولا فيهم أحد قال: إن الله ليس فوق، ولا تحت، ولا يمين، ولا شمال، ولا داخل العالم، ولا خارجه، ولا متصل بالعالم، ولا منفصل عنه، ونتحدى أي إنسان ينقل عن أي واحد من الصحابة والتابعين أو أئمة الأمة أنه قال هذا، لم يقل أحد بذلك، فيكون أدلة علو الله بذاته كم نوعًا؟ خمسة أنواع، وكل نوع متجزئ؛ إذن أي إنسان يقول: إن الله ليس في السماء، فإننا نقول: إن قولك باطل بالكتاب والسنة، والإجماع، والعقل، والفطرة؛ لأن ما خالف الثابت بدليل- هذه قاعدة- فهو باطل بنفس الدليل الذي ثبت به الخلاف، فإذا قلنا: العلو ثابت بخمسة أنواع من الأدلة فضده باطل بخمسة أنواع من الأدلة؛ لأن العكس بالعكس.
إذن الحمد لله أهل السنة والجماعة- نسأل الله أن يميتنا وإياكم على ما هم عليه- يقرون بهذا إقرارا عقليًا فطريًا سمعيًا نقليًا لا يشكون فيه، ولا عندهم معارض، ولا يمكن أن ينصرف عن هذا إلا من اجتالته الشياطين، والذي تجتاله الشياطين لا تستغرب أن يتصرف بما هو غريب، انظر في القرآن:{أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر}[الحج: ١٨]. كل هذه جمادات، {والدواب} حيوان لكن أعجمي، {وكثير من الناس} ليس كل الناس، {وكثير حق عليه العذاب} لا يسجد ولا يقر لله تعالى بما يجب له، فلا تستغرب أن يكون من بني آدم من ينكر علو الله عز وجل الثابت بهذه الأدلة العظيمة، وقد سبق لنا الجمع بين ثبوت العلو الذاتي وبين ما ورد في الكتاب والسنة مما ظاهره أن ذلك قد يتخلف مثل حديث النزول وآيات المعية، وبينا أن الجامع لذلك هو أن الله تعالى لا يقاس