- هل يجوز سؤال الإنسان ماءً يغسل به ثوبه من النجاسة؟
نقول: أما ما جرت العادة بالتسامح فيه وسؤاله فيلزمه، وأما ما فيه منة ولم تجٍر العادة بسؤاله فإنه لا يلزمه؛ ولهذا قال العلماء في باب التيمم: لا يلزمه أن يطلب الماء هبة لما فيه من المنّة، وكذلك لا يلزمه أن يطلب ليزيل به النجاسة؛ لأن في ذلك منّة عليه إلا إذا كان ممَّا جرت العادة فهذا قد يقال باللزوم، وفيه أيضًا تردد؛ لأن حق الله عز وجل أيسر من حق العباد، فالله تعالى يتسامح، لكن المنة قد تبقى عندك مكتوبة في جبينك لهذا الرجل صعبة.
ألا يستثنى شيئًا ثالثًا: شيء آخر أن يسأل الإنسان لغيره؟
نقول: نعم السؤال للغير جائز إذا كان ذلك الغير مستحقًّا للسؤال، وأما إذا لم يكن مستحقًّا فلا تعنه على ظلمه، لكن إذا كان مستحقًّا فلا بأس.
وهل الأولى أن يسأل للغير، أم الأولى الاَّ يسأل؟ بعض العلماء يقولون: أنا لا أسأل لغيري، وكرهوا أن يسأل الإنسان لغيره، لكنهم لم يكرهوا أن يسأل الإنسان سؤالًا عامًّا، فيقول: هؤلاء الفقراء تصدَّقوا عليهم، وجه الكراهة عند هؤلاء القوم يقول: لأنه قد يعطى خجلًا منك وحياء، فيكون سؤالك للغير كأنه إلزام للمسئول، فأنت لا تسأل لغيرك، والظاهر لي: أن في هذا تفصيلًا إذا كان الغير لا يمكن الوصول إلى المسئول فهنا يشرع أن تسال له مثل توجيه السؤال إلى وزير لا يقدر هذا الفقير أن يصل إليه فهنا يترجح الجواز أن تسأل له؛ لأن فيه معونة على البر والتقوى في أمر لا يستطيع المعان أن يصل إليه، أما إذا كان المسئول له يمكنه أن يصل فأنت تقول: اذهب أنت واسأل، لكن إن طلب منك تعريفًا بحاله بأنه رجل مستحق فما الجواب؟ يجوز أن يعطيه تعريفًا؛ لأن هذا ليس فيه مضرة بل معونة على البر.
واعلم أن الله عز وجل تولى قسم الصدقات بنفسه فقال:{* إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغامرين وفى سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم}[التوبة: ٦٠]. فنتكلم على الآية؛ لأنها هي الأصل في هذا الباب، والأحاديث تفسير لها وبيان، ومعلوم أن الإنسان إذا أراد أن يستدلَّ يبدأ أولًا بكتاب الله؛ لأنه الأصل، ولأنه لا يحتاج إلى النظير في سنده لأنه متواتر مقطوع به، وإنما يحتاج إلى النظر في دلالته بخلاف السُّنة فتحتاج أولًا إلى النظر في ثبوتها عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم إلى النظر في دلالتها على الحكم.