فإن قال قائل: الذي معنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم أجاز الخاتم من حديد وقد يلبس وقد لا يلبس.
قلنا: لا يمكن أن يصنع خاتمًا من أجل أن يلقى في الأرض ولا يلبس لابد أن يلبس.
٩٩٣ - وعن علي رضي الله عنه قال:«لا يكون المهر أقل من عشرة دراهم». أخرجه الدارقطني موقوفًا، وفي سنده مقالٌ.
هذا الحديث موقوف على علي رضي الله عنه، وعليٌّ هو أحد الخلفاء الراشدين الذين يؤخذ بقولهم ويهتدى بهديهم ولكن الحديث لا يصح لأن فيه راويًا يضع الحديث وحديث الوضاعين حكمه مردود وعلى هذا فلا يساوي هذا الحديث فلسًا ولا عبرة به لكن مع ذلك أخذ به بعض العلماء وقال إن المهر لا يصح أقل من عشرة دراهم، ولكنه مردود؛ لأن هذا الأثر لا يصح وبأن عموم قوله تعالى:{أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ}[النساء: ٢٤] يشمل العشرة وما دونها ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل: «التمس ولو خاتمًا من حديد» وبأنه أجاز نكاح امرأة على نعلين وبأنه بين أن ما أعطى امرأة سويقًا أو تمرًا فقد استحل وهذه الأحاديث ويعضدها عموم الآية.
[تقليل الصداق]
٩٩٤ - وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير الصداق أيسره». أخرجه أبو داود، وصححه الحاكم.
«الصداق» هو المهر، وبين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن خيره أيسره، يعني: أسهله وأخفه؛ وذلك لأن فيه إعانة على الزواج فإنه إذا كانت الصدقات يسيرة كثر الزواج، وأيضًا من بركة اليسير: أنه سبب لإحسان العشرة بين الزوجين لأن الرجل إذا أصدق امرأته مهرًا كثيرًا صار كلما تذكر هذا المهر تكدر وشانت نفسه وصار يعاشر المرأة معاشرة سيئة إذا علم أن هذه المرأة [مهرها سهل] فإن نفسه تطيب وتطمئن لها، ومن بركة الصداق الميسر أنه يكون سببًا لفض النزاع بدون مشقة لو حصل نزاع بين الرجل وزوجته وكان المهر يسيرًا سهل عليه أن يطلقها أو يفارقها وسهل على أهله المخالعة إذا طلب الخلع بمهره الذي أعطاها لكن إذا كان المهر كثيرًا - ولنفرض أن المهر أربعون ألفًا - صار كلما همَّ أن يطلقها ويريحها من سوء العشرة تذكر كثرة المهر فأمسكها ثم إن قدر أنه أراد المخالعة وطلب من أهلها أن يعطوه المهر فقد يشق عليهم ولهذا صدق هذا الحديث:«خير الصداق أيسره»، وأيضًا فيه مصلحة اجتماعية