١٣٨٢ - وعن ابن مسعود (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «إذا كنتم ثلاثة، فلا يتناجى اثنان دون الآخر، حتى تختلطوا بالناس؛ من أجل أن ذلك يحزنه». متفق عليه، واللفظ لمسلم.
قوله:«لا يتناجى» أي: لا يكلم أحدهما الآخر سرا؛ لأن المناجاة: الكلام بصوت منخفض والمناداة: الكلام بصوت مرتفع، ولهذا قال الله تعالى:{وَنَادَينَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقرَّبنَاهُ}[مريم: ٥٢]. فلما كان بعيدًا قال ناديناه ولما قرب جعله مناجى إذن لا يتناجى اثنان أي: لا يتكلم بعضهما مع الآخر سراً دون الآخر الذي هو الثالث، ثمّ علل النبي (صلى الله عليه وسلم) ذلك قال: «حتى تختلطوا بالناس» من أجل أن ذلك يحزنه فإذا اختلط الثلاثة بالناس فليتناج الاثنان لأنهما يتناجيان وأمامهما جمع من الناس فهؤلاء الجمع لا يحزنهم أن يتناجى اثنان لأنهم لا يهتمون بذلك غالبًا قال من أجل «أن ذلك يحزنه» أي: يلحقه الحزن والحزن هو الغمْ مما وقع وإذا كان مما يستخفي فهو الخوف.
من فوائد الحديث: أن الشريعة الإسلامية تحارب كل ما يحزن أفراد المسلمين دليله نهى النبي (صلى الله عليه وسلم) عن تناجي اثنين دون الثالث.
ومن فوائد الحديث: تحريم إدخال الحزن على أخيك المسلم؛ لأن النهى في قوله:«لا يتناجى» الظاهر أنه للتحريم لأنه إذا كان يدخل الحزن على أخيك المسلم فإن الحزن إيذاء وإيذاء المسلم حرام، بل قد قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ يؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فقَدِ احْتَمَلُوا بهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}[الأحزاب: ٥٨].
ومن فوائد الحديث: أنهم إذا كانوا أربعة فأكثر وتناجى اثنان فلا يحرم؛ لأنه لا يُحزن الاثنين الآخرين.
ومن فوائد الحديث: أنهم إذا كانوا ثلاثة فتكلم اثنان بغير لغة الثالث ولو جهرا فإنه منهي عنه «لأن ذلك يحزنه»، إذ إن الثالث لا يدري ما يقولان فيحزن.
ومن فوائد الحديث: أنه إذا كان الثالث لا يحزن ولا يبالي إما لأنه قوي ولا يخاف منهما ولا يهابهما وهو قوي الشخصية فإنه لا بأس أن يتناجى اثنان.
ومن فوائد الحديث: أن أحكام الشريعة مبنية على العلل والمناسبات؛ لأنه لما نهى عن التناجي بين السبب - من أجل أن ذلك يحزنه- فإن قال قائل: إذا كانوا خمسة وتناجى أثنان أحدهما كبير القوم فجلسا في مجلس واستبد أحد الناس بكبير القوم يكلمه ويناجيه ويبحث