يسب أباه أبا الرجل؟ مشكل هذا، لا تزر وازرة وزر أخرى، فالظاهر لي - والله أعلم - أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل ذلك إقرارًا للحكم الشرعي، ولكنه ذكر ذلك اعتبارًا بالواقع، أما الشرع فلا يجوز ذلكن نظير هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:«لتركبن سنن من كان قبلكم»، يعني: اليهود والنصارى، هل هذا إقرار شرعي أو إقرار بالواقع؟ الثاني لاشك، وأخبر أن الظعينة ترتحل من كذا إلى كذا ليس معها أحد، وهذا ليس إقرارًا شرعيًا، لأن المعروف في الشرع أن المرأة لا تسافر إلا مع ذي محرم.
[بماذا يزول التهاجر بين الأخوين؟]
١٤٠٢ - وعن أبي أيوب رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ، يلتقيان فيعرض هذا، ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام». متفق عليه. إذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"لا يحل" فالمعنى: أنها حرام، قال الله تعالى:{ولا يحل لكم أن تأخذوا مما ءاتيتموهن شيئًا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله}[البقرة: ٢٢٩]. وقال تعالى:{ولا يحل لهن أن يكتم ما خلق الله في أرحامهن}[البقرة: ٢٢٨]. يعني حرام وهنا قال النبي صلى الله عليه وسلم:«لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه المسلم»، قال: المسلم، والظاهر - والله أعلم - أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم: المسلم الذي هو مؤمن، بخلا المنافق الذي هو مستتر ظاهرًا، ويحتمل أن يكون المراد بذلك: المسلم ولو ظاهرًا، ولكن قوله:"أخاه" يمنع ذلك؛ أي: يمنع دخول المنافق فيه؛ وذلك لأن المنافق ليس أخًا للمسلمين.
"أن يهجر أخاه" لم يقل: أن يهجر المسلم من أجل الاستعطاف؛ يعني: أخوك كيف تهجره، لو قال: يهجر المسلم المعنى صحيح، لكن إذا قال: أن يهجر أخاه فهو استعطاف له، لأن أخاه لا يمكن أن يهجره، والهجر هنا معناه الترك، وهو أقسام كثيرة، فسره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:«يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا» يعني: يلتقيان في الشارع أو المسجد، فيعرض كل واحد منهما عن الآخر، قال:«وخيرهما الذي يبدأ بالسلام»، "خيرهما" الضمير يعود على الملتقيين، خير الملتقيين من يبدأ بالسلام.
فهذا الحديث فيه فوائد كثيرة: منها: أنه يجب على المسلمين أن يقوموا بما يجلب المودة والمحبة وهو إفشاء السلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«والله لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أخبركم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشو السلام بينكم»، وضد السلام: عدم الإفشاء، ومنه الهجر.