ذكر الله هل هو باللسان أو بالقلب أو بهما جميعًا؟ بهما جميعًا، ويكون بالقلب وحده ويكون باللسان وحده، لكن اللسان وحده الذكر فيه ضعيف جدًّا، غاية ما فيه أنه يجزئ الإنسان فيما إذا كان واجبًا، وأما الثواب المرتب على الأذكار، فإن حصوله لمن يذكر الله بلسانه فقط فيه نظر، الذكر بالقلب لا يترتب عليه الثواب المعلَّق بالقول مثل من قال:"لا إله إلا الله" مائة مرة، لو واحد قالها في قلبه ما يترتب عليه هذا الفضل؛ لأنه لا يصدق عليه أنه قال، بل هو حدَّث نفسه وفكر فهو يُؤجَر على هذا التفكير، وربما يكون تأثر قلبه بالذكر القلبي أكثر من تأثره بالذكر اللساني، ولا ريب أنه لو اجتمع الأمران فهو أكمل بلا شك.
هل يكون ذكر الله عز وجل بذكر أحكامه ونشرها وتعلمها؟ نعم، يعني: واحد مثلًا يقرأ في علم فقه، توحيد، هذا من ذكر الله وأيضًا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من ذكر الله.
لو قال قائل: الصلاة إذن من ذكر الله؟ هذا من باب الذكر الخاص بعد العام، وهذا لا يقتضي ألاَّ يشمله العام، إذن نقول: ذكر الله إذا أُطلق يشمل كل شيء يتذكر به الإنسان ربه من أقوال وأفعال في القلوب وفي الجوارح، وأحيانًا يُراد به الذكر الخاص. {فإذا قضيتم الصلواة فاذكروا الله}[النساء: ١٠٣]. هنا ما دخلت الصلاة، وليس المعنى: إذا قضيتم الصلاة فصلوا، بل المراد: الذكر الخاص المعروف.
سبق أن معنى الرخصة هو: السهولة، ورَخَّصَ بمعنى: سَهَّل، وكلمة "لم يرخَّص" مبنيٌّ للمجهول، أي: لم يبيَّن مَن الفاعل، فهل المراد بالفاعل: الله أو الرسول صلى الله عليه وسلم؟ إن كان الرسول صلى الله عليه وسلم فالحديث في حكم المرفوع فعلى هذا يكون حجة، وإن كان الله فالحديث من باب التفقه والاستنباط، وحينئذٍ قد يُقبل وقد لا يقبل؛ لأنه اجتهاديُّ، كيف يكون الاحتمال الثاني؟ لأنه يجوز أن عائشة وابن عمر رضي الله عنهما فهما ذلك من قوله تعالى:{فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم}[البقرة: ١٩٦]. ومعلوم أن أيام التشريق داخلة في قوله:{في الحج}؛ لأن الحج لا ينتهي إلا في آخر أيام التشريق، ففي أيام التشريق: مبيت، ورمي، وطواف، حتى إن بعض العلماء يقول: لا يجوز تأخير طواف الإفاضة عن أيام التشريق.
على كل حال: فيه احتمال أن يكون هذا القول من عائشة وابن عمر على سبيل الاستنباط