للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعني: بين الجزاء: فعليه إثم ما اعتدى به أو عليه إثم ما قاله؟ فيه احتمال، فإن قوله: "ما لم يعتد المظلوم" يحتمل أن المعنى فإن اعتدى فعليه إثم العدوان، ويحتمل أنه إذا اعتدى ارتفع إثم الرد عن الأول لقوله: "ما قالا فعلى البادئ ما لم يعتد المظلوم" فإذا اعتدى ارتفع إثم الرد عن الأول لقوله: "ما قالا فعلى البادئ ما لم يعتد المظلوم" فإذا اعتدى فعلى كل إثم ما قال هذا ظاهر الحديث ووجه ذلك أن الذي رد صار ظالماً لعدوانه، فلم يتحمل الأول إثم رده المستبان ما قالا فإثمه على البادئ ما لم يعتد المظلوم فإن اعتدى فهل على المعتدي إثم العدوان فقط لأنه هو الذي تجاوز به الحد، أو عليه إثم ما قال حتى فيما لم يعتد به؟ الحديث ظاهره الثاني أنه اعتدى المظلوم ارتفع إثم سبه عن الأول، مثال ذلك: رجل قال لآخر: يا فاسق! قال: أنت فاسق كافر اعتدى بقوله: كافر، فهل إثم الأول في قوله: يا فاسق فقط والثاني آثم في قوله: يا فاسق ويا كافر؟ أو نقول: إثم الأول في قوله: يا فاسق عليه وإثم الثاني في قوله يا فاسق عليه أيضاً لأنه في قوله: يا فاسق لم يعتد أما يا كافر فإثمها على الثاني لكن الذي يظهر لي أن الإثم يرتفع عن الأول باعتداء الثاني، وجه ذلك أولاً: أنه ظاهر الحديث ما لم يعتد المظلوم.

وثانياً: أن المظلوم لما اعتدى تعدى ما أذن له فيه فسقطت الرخصة في حقه وصار آثماً في الكل، نظير هذا من بعض الوجوه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر". فهل يعني ذلك أنها إذا فعلت الكبيرة لم تكن هذه العبادات مكفرة؟ فالجواب: نعم هذا ظاهر اللفظ لكن جمهور العلماء يقولون: الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إلا الكبائر، وبين المعنيين فرق، فجمهور العلماء على الثاني أي: أنه يكفر الصغائر حتى مع غشيان الكبائر لكن الكبائر لا تكفرها هذه الصلوات.

[النهي عن مضارة المسلم]

١٤٤٠ - وعن أبي صرمة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ضار مسلماً ضاره الله، ومن شاق مسلماً شق الله عليه". أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه.

قوله: "من ضار مسلماً" أي: فعل ما يضر أخاه المسلم عمداً، ولهذا جاءت كلمة ضار الدالة على المفاعلة في غالب معانيها وقوله: "مسلماً" قد يقال: إنه احتراز من الكافر وأنه لا بأس بمضارة الكافر، كما سيأتي في الأحكام -إن شاء الله- وقد يقال: إن هذا بناء على الأغلب "ضارة الله" أي: ألحق به الضرر، "ومن شاق مسلماً شق الله عليه"، "شاق مسلماً" أي: فعل ما يشق عليه، شق الله عليه أي أصابه بما فيه المشقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>