ويؤخذ من هذا: أن المباشرة إذا كانت مبنية على السب فالضمان على المتسبب، ولهذا لو حكم الحاكم على شخص بالقتل بشهادة رجلين ثم قتل ثم قال الرجلان الشاهدان: إننا كذبنا ولكننا لم نرد قلته ولم نجد شيئاً نتوصل إليه إلا بالشهادة فشهدنا فهنا من الذي يقتل؟ يقتل الشاهدان إذا شهدا بأمر يتحتم قتله، القاضي هو المباشر بل رجال القاضي هم المباشرون بوكالة القاضي وهم مأمورون بامتثال أمر القاضي فقد فعلوا ما أُذن لهم فيه.
القاضي أيضاً قد فعل ما أُذن له فيه، بل وجب عليه، لأنه يجب عليه إذا تمت البنية أن يحكم بمقتضاها فقد فعل ما يجب عليه، الآن سلسلة رجال القاضي الذين نفذوا القتل مباشرة أطلقوا الرصاص أو سلوا السيف على المقتول هؤلاء باشروه وهل أذن لهم شرعاً؟ نعم بقوله تعالى:{أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}[النساء: ٥٩]. القاضي الذي حكم بالقتل ونفذ حكمه هل هو آثم؟ لا، بل واجب عليه أن يحكم لوجود البينة التامة عاد الأمر الآن إلى الشهود فصار الحكم كله مبيناً على شهادتهم، ولهذا قال العلماء: إذا شهد اثنان على شخص بما يوجب قتله ثم قتل ورجعا وقالا تعمدنا قتله فإنهما يقتلان.
وهذا الحديث يدل على: أنه إذا كانت المباشرة مبنية على السب كان الضمان على المتسبب إلا أنهم استثنوا من ذلك ما إذا كانت إحالة الضمان على المباشرة ممتنعة فإنها تكون على المتسبب مثل أن يلقى شخص بين يدي الأسد فيأكله الأسد فهنا هل الضمان على الذي ألقى الرجل بين يدي الأسد أو على الأسد؟ على الرجل لأنه يتعذر الضمان على الأسد، كذلك إذا كانت المباشرة مبنية على السبب لأن السبب ملجئ للمباشرة، فمثلاً القاضي إذا حكم بشهادة الشهود وتنفيذ رجال القاضي ما أمر به القاضي فهنا الضمان على المتسبب لأن هذا السبب ملجئ للحكم بالقتل، القاضي لا يسعه أن يتخلف إذا ثبت عنده القتل ببينة ورجال القاضي كذلك لا يسعهم التخلف. إذن هذه المباشرة مبنية على السبب، رجل حفر بئراً في الشارع ووقف عليها رجال يشاهدونها فجاء شخص من ورائهم فدفعهم في البئر على من الضمان؟ على المباشر هو الدافع.
إذا قال قائل: لولا هذه البئر لكان الذي دفعهم سقطوا على الأرض ولم يموتوا أليس كذلك؟ بلى، لكن هو دفعهم على محل يموتون فيه كما لو ألقاهم في النهر -انتبهوا وأنا أكرر دائماً أنا طالب العلم ليس الذي يكدس المسائل لكنه الذي يقرر القواعد والضوابط، لأن القاعدة تحمل فروعاً كثيرة، والضوابط تحمل جزئيات كثيرة -هذا الحديث لو قال قائل: ما مناسبته لمساوئ الأخلاق؟ نقول: لأن الحديث يدل على التحذير من البدء بالسباب.
ومن فوائد الحديث: بيان حكمة الله تعالى في جزائه وعدله فيه، لقوله:"ما لم يعتد المظلوم"