١٤٣٩ - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المستبان ما قالا، فعلى البادئ، ما لم يعتد المظلوم". أخرجه مسلمٌ.
"المستبان": على وزن المفتعلان وأصل المستبان: المستبان أي: اللذان يسب بعضهما بعضاً، والسبب: ذكر المخاطب بما يكره، والغيبة: ذكر الغائب بما يكره، فإذا استب الرجلان صار أحدهما يشتم الآخر قال: أنت بخيل قال البخيل: أنت أنت فاسق، قال الفاسق: أنت، أنت ظلوم، قال الظلوم: أنت، هذا سب فمن الإثم عليه؟ قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"ما قالا فعلى البادئ" الإعراب المستبان مبتدأ، ما اسم موصول مبتدأ ثان، "وقالا" الجملة صلة الموصول والعائد محذوف والتقدير ما قالاه، فعلى البادئ، الفاء: رابطةً لخبر المبتدأ الثاني وعلى البادئ جار ومجرور متعلق بمحذوف التقدير فهو: على البادئ والجملة خبر المبتدأ الثاني فعلى البادئ، والمبتدأ الثاني وخبره خبر للمبتدأ الأول الذي هو المستبان يعني: أن ما قال المستبان مما يوجب الإثم فإثمه على البادئ -على الأول- لأنه هو السبب حتى وإن كان ذلك قد انتصر لنفسه وأعاد عليه ما قال، فإن الإثم على الأول، وجه ذلك ظاهر، الأول قال ما لم يؤذن له فيه، بل قال ما نهى عنه، والثاني قال ما أُذن له فيه لأن رد السبب من قسم المباح لقوله تعالى:{فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}[البقرة: ١٩٤]. ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"لعن الله من لعن والديه" قالوا يا رسول الله: أيلعن الرجل والديه؟ قال:"نعم يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه" وقوله: "ما لم يعتد المظلوم" أي: فإثمه على الظالم؛ لأن الظالم هو السبب فيكون له إثم المباشر والسبب، فالظالم هو المعتدي فعليه إثم المباشرة وهو العدوان الأول، والسب وهو العدوان الثاني؛ لأن الرد هذا من المباح بالنسبة للمراد لكن بالنسبة للمتسبب يكون إثمه عليه.
يُستفاد من هذا الحديث فوائد: منها: أنه لا ينبغي السب بين المسلمين، وأن من سبك فبين له أنك قادر على الرد ولكن تركته لله؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الصائم إن سابه أحد أن شاتمه فليقل: إني صائم لا يسكت فيظن الساب أنه ضعيف عاجز عن الرد، لكن يتكلم ويبين سبب الرد حتى يجمع بين الحسنين بين إظهار القوة، والحزم والقدرة على الرد وبين ترك هذا الشيء لله عز وجل.
ومن فوائد الحديث: أن المتسبب له إثم المباشر لقوله: "ما قالا فعلى البادئ" فالراد مباشر لكن سببه البادئ أولاً، ولهذا جعل إثمه عليه.