للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان يكثر أن يقول في ركوع وسجوده: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم أغفر لي"؟

فالجواب: بلى، لكن هذا لا ينافي "عظموا فيه الرب"؛ لأنك إذا قلت هذا مرة في الركوع - وأكثر الأذكار تعظيم- لم يخرج عن الحديث، وعليه يكون قول الإنسان: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي" في الركوع لم يتعارض مع هذا الحديث.

[أذكار الركوع والسجود ومعانيها]

٢٨٣ - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي". متفق عليه.

"كان يقول في ركوعه وسجوده" أي: إذا ركع وإذا سجد بالإضافة إلى تسبيح الأصل وهو "سبحان ربي العظيم" في الركوع و "سبحان ربي الأعلى" في السجود، يقول في الركوع: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك" سبحانك أي: تنزيهًا له عن كل ما لا يليق بعظمته وسلطانه - جل وعلا - فينزه عن كل نقص القدرة لله عز وجل بلا عجز، والقوة بلا ضعف، والسمع بلا صمم، والبصر بلا عمى .... وهكذا، فالتسبيح أي: التنزيه عن كل ما لا يليق بالله عز وجل وقالوا: إنه مأخوذ من قولهم: "سبح الرجل في الماء": إذا نزل فيه وأبعد.

وقوله: "اللهم" يعني: يا الله، هذا أصلها، حذفت الياء تبركًا بالبداءة باسم الله عز وجل، وعوض عنها الميم حتى لا تنقص الجملة، وصارت الميم في الآخر، لأنها تدل على الضم والجمع فكان قائل: "اللهم" قد جمع قلبه ولسانه على دعاء الله عز وجل.

"وبحمدك" الواو حرف عطف، والباء للمصاحبة؛ يعني: وذلك تسبيحي مقرون بالحمد، والحمد يكون على كمال الصفات، فإذا جمعنا بين التنزيه وكمال الصفات كمل الموصوف؛ لأنه لا يكمل الشيء إلا بانتفاء وإثبات؛ بانتفاء العيوب وإثبات الكمالات، فلهذا إذا جمع بين التسبيح والحمد؛ فقد جمع بين نفي كل ما لا يليق بالله عن الله وإثبات صفات الكمال لله عز وجل.

"اللهم اغفر لي" أي: يا الله اغفر لي والمغفرة: هي ستر الذنب والتجاوز عنه، لأنها مأخوذة من المغفر: وهو ما يوضع على الرأس مما يسمى بالبيضة والخوذة ليتقي به سهام العدو، فهو جامع بين الستر والوقاية، ولهذا لا تحل المغفرة إلا بذلك فلو أن الإنسان فضح بذنبه في الدنيا ولم يعاقب عليه في الآخرة، فإنه لا يقال: غفر له؛ لأنه عوقب، وإذا ستر عليه في الدنيا ولكن عوقب عليه في الآخرة، فإنه لا يقال: إنه غفر له، لأنه عوقب عليه، فالمغفرة تتضمن هذين الشيئين وهما الستر والوقاية.

هذا الحديث له سبب وهو: أن الله أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم {إذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ والْفَتْحُ ... }

<<  <  ج: ص:  >  >>