للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآيات. قالت عائشة: "لم يكن يدع الدعاء بهذا حين أنزلت عليه هذه السورة"، وهي - أعني: السورة - إيذان بقرب أجل النبي صلى الله عليه وسلم، كما فهم ذلك عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ووافقه على هذا عمر.

في هذا الحديث دليل على فوائد منها: استحباب هذا الدعاء في الركوع والسجود.

فإن قال قائل: أما السجود فواضح؛ لأنه محل دعاء، لكن الركوع أليس النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الركوع عظموا فيه الرب" والسجود أكثروا فيه من الدعاء؟

فالجواب: بلى، ولكن دعاء الله لا ينافي تعظيمه، ويكون هذا الدعاء مستثنى، فيقال: ادعوا بهذا في الركوع كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون هذا مستثنى من قوله: "عظموا فيه الرب" والسجود ادعوا فيه.

ومن فوائد هذا الحديث: كمال الله عز وجل في صفاته لكونه تنزه عن كل نقص واتصف بكل كمال، من أين يؤخذ هذا؟ من قوله: "سبحانك اللهم". هذا التنزه من كل نقص، والثاني: ثبوت صفات الكمال من قوله: "وبحمدك".

ومن فوائد هذا الحديث: طلب النبي صلى الله عليه وسلم من ربه أن يغفر له كما أمره الله {واسْتَغْفِرْهُ}، وفي هذا إشكال؛ وهو أن الله - تبارك وتعالى - أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم: {إنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ ومَا تَأَخَّرَ ويُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} [الفتح: ١]. والفتح قد حصل، فيكون المعلول حاصلًا وهو المغفرة، فكيف يدعو بالمغفرة؟

فالجواب: أن هذا من باب كمال التذلل من رسول الله صلى الله عليه وسلم لله عز وجل، وأن هذا من باب التأكيد لما ثبت، والتوكيد لما ثبت أمر معلوم في اللغة العربية.

فإن قال قائل: لعل هذا من باب تعليم الأمة وليس مقصودًا لذاته؟

فالجواب: هذا جواب سخيف إذ كيف يشرع النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا في صلاته من أجل التعليم مع أنه يمكن أن يعلم الناس بالقول، ويقول: استغفروا الله كما أمركم بهذا صلى الله عليه وسلم، وهذا الجواب - أعني: أن المقصود بذلك التعليم دون التعبد به - جواب كما قلت لكم سخيف، وقد أجاب به من قال: بعد الصلاة لا يجهر بالذكر، وقال: إن جهر النبي صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة من أجل تعليم الناس هذا خطأ ومغالطة؛ إذ إن النبي صلى الله عليه وسلم يمكنه أن يعلم الناس بالقول دون أن يشرع شيئًا في العبادة.

ومن فوائد هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد يقع منه ما يحتاج إلى المغفرة لقوله: "اللهم اغفر لي" فهل يعني ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم تجوز عليه الذنوب؟ الجواب: نعم، لكن هناك ذنوبًا لا يمكن

<<  <  ج: ص:  >  >>