ثالثًا: أن بعض العلماء حكى الإجماع على أن الإنزال بالمباشرة والتقبيل يفطر، ففي الحاوي للشافعية نقل الإجماع على أنه يفطر، والموفق في المغني قال: لا نعلم فيه خلافًا، والمذاهب الأربعة كلها متَّفقٌة على أن الإنزال بالمباشرة والتقبيل مفطر، فالصواب عندي: أن الإنزال بالمباشرة والتقبيل مفطر للصائم، والجواب عما أورد سمعتموه.
مسألة: هل الإمذاء يفطر؟ لا يفطر، لا شك في هذا خلافًا للمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله، والصواب: أنه لا يفطر للفرق العظيم بينه وبين الإنزال فإن بينهما فروقًا كثيرة، ولا يمكن إلحاق المذي بالمني لا من حيث الحقيقة ولا من حيث الأثر على الجسم ولا من ناحية الأحكام المترتبة على ذلك.
فالحاصل: أن لدينا الآن: مباشرة وتقبيل بدون إنزال ولا مذي لا يفسدان الصوم قولًا واحدًا في المذهب، المباشرة والتقبيل مع الإمذاء الصحيح لا يفسدان الصوم، مع الإنزال يفسدان الصوم على القول الصحيح، وهو إما إجماع أو على الأقل المخالف في ذلك نادر.
[حكم الحجامة للصائم؟]
٦٣٤ - وعن ابن عبَّاسِ رضي الله عنهما:"أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرمٌ، واحتجم وهو صائم". رواه البخاريُّ.
"احتجم" افتعل، يحتمل أن المعنى: أنه صلى الله عليه وسلم طلب من يحجمه وهو كذلك، والحجامة: إخراج الدم من البدن بطريق معروف، وهو أن يجرح مكان الحجامة ويؤتى بوعاء صغير فيه أنبوبة متصلة به فيأتي الحجام بعد أن يجرح المكان ثم يضع هذا الوعاء الصغير.
المهم: هذه الحجامة معروفة عن عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن أدركناها نحن في هذا العصر، ومن كانت عادته الحجامة مرض وصار فيه دوخة وتعب حتى يحتجم، فالنبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم، وبالضرورة سيحلق مواضع المحاجم من أجل الحاجة.
وقوله:"واحتجم وهو صائم" أيضًا جملة حالية، وهنا أطبق الصيام، فيحتمل أنه في رمضان ويحتمل أنه في غيره، وهل الرسول صلى الله عليه وسلم كان محرمًا في غير رمضان؟ نعم أحرم في غزوة الحديبية في ذي القعدة، وفي عمرة القضاء كذلك في ذي القعدة، وفي عمرة الجعرانة في ذي القعدة وفي حجته في ذي القعدة أيضًا.
لكن الصيام الذي ورد "احتجم وهو صائم" هل هو مقيد في إحرامه، أو هما جملتان منفصلتان؟