ذلك يقبل وهو صائم، فلا فرق بين الشاب والشيخ، وأما ما رواه أبو داود في التفريق بينهما فضعيف لا تقوم به حجة.
ويستفاد من الحديث: أن من لا يملك نفسه فلا يفعل هذا الفعل لقولها: "وكان أملككم لإربه"، فمن لا يملك نفسه بمعنى: أنه يخشى إن باشر ألاَّ يملك نفسه فيجامع، فإنا نقول: لا تفعل من باب سد الذرائع، والناس يختلفون في قوة الإيمان، وفي قوة ملك النفس، فإن بعض الناس قد يمنعه إيمانه من تجاوز الحلال إلى الحرام، وبعض الناس يمنعه أيضًا ملكه نفسه- وإن كان ليس قوي الإيمان- لكن الممنوع أن يأتي ذلك رجل لا يستطيع أن يملك نفسه عن فعل الشيء المحرم، على كل حال الناس يختلفون.
ويستفاد من هذا الحديث كما أستفاده بعضهم: أنه لو أنزل لم يفسد صومه، وجه الدلالة: قال: لأن المباشر عند أكثر الناس سبب للإنزال، واحتج وقال: إنكم تقولون: إذا قبَّل فقط أو باشر فقط بدون إنزال لم يفسد صومه، وإذا أنزل بدون التقبيل ولا مباشرة لم يفسد صومه، يعني: كما لو فكر وأنزل فإنه لا يفسد صومه، فما الذي جعلهما مجتمعين يفسدان الصوم؟ يعني: إذا حصل تقبيل وإنزال أو مباشرة وإنزال فسد هذا تقرير مذهبه، فماذا تقولون؟ نقول: يرتفع الحكم بالإنزال بلا مباشرة بأنه حديث نفس، وقد عفا الله عن حديث النفس، ويرتفع الحكم بالنسبة للمباشرة المجردة بهذا الحديث، ونحن نقول: إذا أنزل بفعله فإن صومه يفسد؛ لأن قول عائشة رضي الله عنها:"كان أملككم لإربه" يشير إلى هذا.
ثانيًا: لاشك أن الإنزال شهوة، وفي الحديث الصحيح في ثواب الصيام:"يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي"، والمني شهوة بدليل قول الرسول صلى الله عليه وسلم:"وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: نعم، أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر"، والذي يوضع هو المني، فهذا أيضًا يدل على أن الإنزال بالمباشرة أو التقبيل مفطر، ونحن قد نلتزم بأنه بالتفكير يفطر الإنزال، لكن عندنا حديث:"إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تكلم"؛ لأنه لولا هذا الحديث لقلنا: إذا أنزل بالتفكير أفطر.