للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تأجيل إقامة حل الزنا على الحامل]

١١٦٦ - وعن عمران بن حصينٍ رضي الله عنه: "أنَّ امرأةً من جهينة أتت نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم وهي حبلى من الزِّنا فقالت: يا نبيَّ الله، أصبت حدًّا، فأقمه عليَّ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وليَّها، فقال: أحسن إليها فإذا وضعت فائتني بها، ففعل، فأمر بها فشكَّت عليها ثيابها، ثمَّ أمر بها فرجمت، ثمَّ صلَّى عليها، فقال عمر: أتصلِّي عليها يانبيَّ الله وقد زنت؟ فقال: لقد تابت توبةً لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت أفصل من أن جادت بنفسها لله؟ ". رواه مسلمٌ.

قوله: "وهي حبلى من الزنا" الجملة في محل نصب على الحال من فاعل "أتت"، قولها: "أصبت حدًّا": أصبت ما يوجب الحد، ولهذا قالت: "أقمه عليّ"، وإطلاق المسبب على السبب كثير كما في قوله تعالى: {وينزِّل لكم مِّن السَّماء رزقًا} [غافر: ١٣]. فالذي ينزل من السماء هو المطر يكون به الرزق.

وقوله: "فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وليها" يعني: من يتولى أمرها من أب أو زوج أو غير ذلك، فقال: "أحسن إليها" أي: أحسن إليها بالقول والفعل، أما بالقول فلا تخجِّلها ولا تثرب عليها ولا تبد لها تسخطًا مما وقع منها؛ لأن هذه المرأة جاءت تائبة، وأما بالفعل فلا تقصر عليها بالنفقة من طعام وشراب وكسوة، "فإذا وضعت فائتني بها"، ففعل، يعني: أحسن إليها حتى وضعت فأتى بها، "فأمر النبي صلى الله عليه وسلم فشكت عليها ثيابها" يعني: شدت عليها ثيابها، وذلك لئلَّا تنكشف إذا أحست بألم الحجارة، "ثم أمر بها فرجمت"، يعني: بعد أن شكت ثيابها أمر بها فرجمت بالحجارة على ما سيأتي وصفها، "ثم صلى عليها" الفاعل الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: "أتصلي عليها يا نبي الله وقد زنت" الاستفهام هنا يحتمل أنه للاستعلام، ويحتمل أنه للاستنكار، ولكن الاحتمال الثاني باطل؛ لأن عمر لا يمكن أن يستفهم هذا الاستفهام منكرًا على النبي صلى الله عليه وسلم وإنما يريد الاستفهام، ولكن يؤيد الاحتمال الثاني قوله: (وهل وجدت .... إلخ) مما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم فهم من عمر أنه استنكر هذه الصلاة.

فقال: "لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم"، "توبة"، نكرة لكنها للتعظيم، ولهذا وصفت بعد ذلك بقوله: "لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة"، فما هي التوبة؟ هي الرجوع إلى الله من معصيته إلى طاعته، "وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى؟ " يعني: هل وجدت شيئًا أفضل من هذا، امرأة جاءت وعرفت أنها سترجم ولكنها جادت بنفسها وسهل عليها بذل النفس لله عز وجل هذا من أفضل المقامات، ولهذا صلى عليها النبي صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>