عليه، إما للمتصدقين إذا اقتدوا بهذا المتصدق وإما للمتصدق عليه إذا أعطاه الناس كما أعطاه هذا الرجل، وإلا فإن الأصل هو الإخفاء.
[فضل صدقة التطوع]
٦٠١ - وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كلُّ امرئٍ في ظلِّ صدقته حتَّى يفصل بين النَّاس". رواه ابن حبان والحاكم.
"كل" هذه من ألفاظ العموم، و"امرئ" نقول فيها مثل ما قلنا في "رجل" السابقة؛ يعني: كل امرئ وامرأة.
"في ظل صدقته" يحتمل أن يكون المراد بالظل هنا: الحماية، يعني: أن الله تعالى يحميه من أجل الصدقة، ويحتمل أن يكون ظلًا حقيقيا، بمعنى: أن الصدقة تجعل كالظل على رأسه، أيهما أولى؟ الثاني أولى؛ لأن الحقيقة هي الأصل، والصدقة قد تكون ظلًا، فإن الله- سبحانه وتعالى- قادر على أن يجعل المعاني أعيانًا والأعيان معاني، فهذه الصدقة وإن كانت عملًا مضى وانقضى وهو فعل من أفعاله، لكن المتصدق به شيء محسوس قد يؤتى به يوم القيامة بصفة شيء محسوس، بل قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن البقرة وآل عمران تأتيان يوم القيامة كأنهما غيايتان أو غمامتان، أو فرقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما يوم القيامة، فهذا القرآن كلام الله عز وجل وهو فعل القارئ ومع ذلك يجعل الثواب كأنهما فرقان من طير صواف، فهذه الصدقة يجعلها الله تعالى شيئا محسوسًا يظل صاحبها.
وحدثني وأنا صغير رجل يقول: إنه كان بخيلًا ولا يأذن لامرأته أن تتصدق بشيء من ماله فنام نومة، فرأى في المنام كأنه في يوم القيامة، وكأن الشمس قريبة من الناس، والناس يموج بعضهم في بعض، ومشقة شديدة، يقول: فجاء شيء مثل الكساء ظلل عليه، لكن فيه ثلاثة خروء تدخل منها الشمس، يقول: فرأى كأن شيئا يشبه التمرات ثلاث تمرات جاءت وسدت هذه الخروء، فانتبه ولما انتبه فإذا هو قد تأثر من الرؤيا فحكاها على زوجته، وكان هو بخيلًا، قال: رأيت كلا وكذا قالت: نعم، الذي رأيته حق: إنه جاءنا فقير، وإني أعطيته ثوبًا من عندنا، وجاء بعده فقير فأعطيته ثلاث تمرات، الثوب هو الكساء الأول والتمرات هذه الشقوق الثلاثة جاءت هذه التمرات فرقعتها، وهذا الحديث الذي معنا يشهد لصحته.
ففي هذا الحديث دليل على فضيلة الصدقة، وعلى أنها تكون يوم القيامة ظلًا لصاحبها، وأنها تكون ظلًا في جميع يوم القيامة حتى يفصل بين الناس.