وفيه دليل على: إثبات يوم القيامة، وعلى الحساب والجزاء لقوله:"حتى يفصل بين الناس"، وما الذي يقضى فيه أولًا؟ أول ما يقضى بين الناس في الدماء، وأول ما يحاسب عليه الإنسان من حقوق الله الصلاة.
وقوله:"حتى يفصل" هل المراد: الحكم بين الناس بين المعتدي والمعتدي عليه، أو الفصل بين الناس حتى في تمييزهم فريق إلى الجنة وفريق إلى النار؟ الأخير؛ لكنه ملازم للأول.
٦٠٢ - وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"أيّما مسلم كسّا مسلمًا ثوبًا على عري؛ كساه الله من خضر الجنَّة، وأيما مسلم أطعم مسلمًا على جوع أطعمه الله من ثمار الجنَّة، وأيُّما مسلمٍ سقى مسلمًا على ظمأٍ سقاه الله من الرَّحيق المختوم". روا أبو داود، وفي إسناده لينٌ.
"اللين" أعلى من الضعف؛ يعني: لا يصل إلى درجة الحسن، ولا ينزل إلى درجة الضعيف.
قوله:"أيما مسلم كسا"، "أيما" هذه أداة شرط، "أي" أداة شرط مبنية على الضم، و"ما" زائدة، وممكن أن نقول:"أي" مبتدأ مرفوع بضمة ظاهرة؛ لأنها معربة هنا هذا هو الظاهر.
قوله:"أيما مسلم" خصه بالمسلم؛ لأن غير المسلم وإن كسا غيره فلا يستفيد من هذا؛ لأن الله يقول:{وما منعهمّ أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله}[التوبة: ٥٤]. ولهذا أجمع العلماء على أنه من شرط صحة العبادة وقبولها أن تكون من مسلم فالإسلام شرط لجميع العبادات، والردة إذا بقيت إلى الممات تحبط جميع الأعمال، وأما خضر الجنة هي ما ذكره الله تعالى:{عليهم ثياب سندسٍ خضرٌ}[الإنسان: ٢١]. يعني: من السندس الأخضر، واللون الأخضر لون يريح النظر ويسر النفس؛ ولهذا كانت عامة النباتات من اللون الأخضر، والله عز وجل يقول:{وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج}[ق: ٧]. فلا شك إن الأخضر ترتاح له العين أكثر.
وقوله:"على عري"؛ لأن هذا هو موطن الحاجة إذ إنه إذا كساه على كسوة، فإن هذا فيه إحسان إليه، لكن ليس فيه دفع لضرورته بخلاف ما إذا كساه على عري.
وقوله:"أيما مسلم أطعم مسلمًا على جوع" يعني: وجد إنسانًا جائعًا فأطعمه، "فإن الله يطعمه من ثمار الجنة"، وثمار جمع ثمرة، وهو ما يوجده الشجر، ومعلوم أن الجنة فيها أنواع متنوعة من الثمرات، قال الله- تبارك وتعالى-: {فيهما من كل فاكهة زوجان}[الرحمن: ٥٢].