وقال في الجنتين الأخريين:{فيهما فاكهة ونخل ورمان}[الرحمن: ٦٨]. فإذا أطعمت مسلمًا على جوع، فإن الله يطعمك من ثمار الجنة.
"وأيما مسلم سقى مسلمًا على ظمأٍ سقاه الله من الرحيق المختوم"، "الرحيق" معناه: الخالص الصافي من كل شيء، ومعلوم أن أنهار الجنة أربعة أنهار:{فيها أنهار من ماء غير أسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى}[محمد: ١٥]. و"المختوم" بيَّن الله عز وجل بماذا هو مختوم فقال: {ختامة مسك وفى ذلك فليتنافس المتنافسون}[المطففين: ٢٦].
ففي هذا الحديث عدة فوائد: أولًا: فضيلة كسوة المسلمين، وإطعامهم، وإسقائهم، وجه ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر هذا الجزاء حقًا وترغيبًا.
وفيه أيضًا: إثبات الجزاء لقوله: من فعل كذا فعل الله به كذا.
وفيه أيضًا: أن الجزاء من جنس العمل؛ لأن الأول كسا فكسي، أطعم فأطعم، سقى فسقى.
وفيه أيضًا: إثبات الجنة، هذا أمر معلوم بالضرورة من دين الإسلام، وهي الآن موجودة لقوله تعالى:{أعدت للمتقين}[آل عمران: ١٣٣]. وستبقى دائمًا، فإنها منذ خلقت لا تفنى، وكذلك النار منذ خلقت لا تفنى.
وفيه أيضًا: إثبات الأفعال الاختيارية للعبد لقوله: "كسا، وأطعم، وسقى"، ولولا أنها اختيارية ما حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم عليها، ولا كان للجزاء عليها فائدة.
وفيه أيضًا: أن هذه الأعمال لا تنفع إلا إذا كان الإنسان مسلمًا لقوله: "أيما مسلم" فإن وقعت هذه الأعمال من الكافر لن تنفعه، ولكن هل يجازى عليها؟ نعم، قد يجازى عليها في الدنيا فيوسع له في الرزق ويكشف عنه السوء، ويشفى من المرض وما أشبه ذلك، أما في الآخرة فلا حظ له فيها.
وقوله:"وأيما مسلم سقى مسلمًا" هل يؤخذ منه أن هذا الثواب لا يكون إلا إذا كان المنعم عليه مسلمًا؟ الجواب: نعم؛ لأن الإنعام على المسلم خير من الإنعام على غير المسلم، ولكن هل في الإنعام على غير المسلم أجر؟ الجواب: نعم؛ إلا الكافر الحربي فالإنعام عليه يكون بدعوته للإسلام وإلا يقتل، فأما الذمي والمعاهد والمستأمن، والحمار، والكلب، والبعير وما أشبه ذلك ففيه أجر، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا عن امرأة رأت كلبًا يلهث من العطش فنزلت وملأت خفها من الماء حتى شرب فغفر الله لها؛ لأنها سقت هذا الكلب على ظمأ، قيل: يا رسول الله، هل لنا في البهائم أجر؟ قال:"في كل ذات كبد حراء أجر".