السبب الأول: انه سبب لاتهامه بلباس الحرير، والإنسان ينبغي له أن يدفع عن نفسه ما تكون به التهمة؛ لأن أبعد الناس عن التهمة- وهو الرسول صلى الله عليه وسلم- قال لرجلين أنصاريين لما رأيا معه صفية:((على رسلكما فإنها صفية)). مع أنه- عليه الصلاة والسلام- لا يمكن أن يتَّهم أبدًا، لكن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، لكن قد توجد التهمة لمن لا يتهم.
السبب الثاني: أنه إذا لبسه وهو يشبه الحرير الطبيعي ربما يقتدي به بعض الناس خصوصًا من لا يميزون التمييز الكامل بين الطبيعي والصناعي، ومعلوم أنه من كان سببًا للشر فإنه لا ينبغي للإنسان أن يتعرض له.
فيه أيضًا سبب ثالث: لقولنا: لا ينبغي له أن يلبسه؛ لأنه إذا لبس هذا فإنه يكون مائعًا يوجب له الميوعة والميول إلى النساء، وربما إذا كان شابًا وسيمًا يكون سببًا للفتنة به.
فعلى هذا نقول: إنه لا ينبغي للرجل أن يلبسه، ولكننا مع ذلك ما نتجاسر أن نقول: إنه حرام؛ لأن التحريم شديد جدًا حتى إن الإمام أحمد وغيره من السلف- رحمهم الله- ما يطلقون الحرام إلا على ما نص على تحريمه، وإلا فهم يقولون: ينهى وما أشبه ذلك من العبارات التي يتحرزون فيها.
[تحريم لبس الحرير والجلوس عليه]
٤٩٨ - وعن حذيفة رضي الله عنه قال:((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشرب في آنية الذَّهب والفضَّة وأن نأكل فيها، وعن لبس الحرير والدِّيباج وأن نجلس عليه)). رواه البخاريُّ.
بعض هذا الحديث سبق لنا في باب الآنية، وبعضه يختص بهذا الباب.
قوله:((آنية الذهب)) الآنية جمع إناء، وهي الأوعية التي تجعل فيها الأشياء، يقول:((نهى أن نشرب في آنية الذهب)) الخالص أو الفضة الخالصة، ذهب وفضة جميعًا، أو ذهب ومعدن آخر غير الفضة، وهذا سبق لنا في باب الآنية.
ثانيًا يقول:((وأن نأكل فيها)) أي: آنية الذهب والفضة، لماذا؟ علل بعض أهل العلم بأن ذلك من باب الفخر والخيلاء، وعلل بعضهم بأنه إسرافٌ، وعلل بعضهم بأن في ذلك تغليقًا للنقدين؛ لأنهما دراهم ودنانير، فإذا اتخذت أواني ضاقت على الناس ولم يكن عندهم نقود، وعلل بعضهم ذلك بأن فيه كسرًا لقلوب الفقراء، الفقير الذي لا يجد ما يشرب إلا في الخزف يجد هذا يشرب في الذهب والفضة ينكسر قلبه، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم عللها بعلة واضحة قال: