ومن فوائد هذا الحديث: الإشارة إلى أنه ينبغي أن يكون للرماة غرضاً يترامون إليه؛ لأن هذا هو الذي يحصل به تعلم الرمي، وكثير من الناس يصيب الهدف بما يريد أن يصيبه فيه من أعلاه أو من أسلفه أو من يمينه أو شماله، حتى إنه حدثنا بعض الناس أن من الرماة من يجعل البيضة على صدر ابنه ثم يرمي إليها فيصيب البيضة ويسلم الولد، وهذا يعني: أنه يبلغ من الإصابة غايتها؛ إذ إن رجلا يفعل هكذا يخشى عليه أن ترتعد فرائضه؛ لأن أمامه ابنه ومع ذلك يتحكم إلى هذا الحد، وهذا أمر معروف مشهور عندنا نحن لم نشاهده لكنه اشتهر عند الناس وإن كنا لا نحبذ هذا الأمر؛ لأنه إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يشير الرجل بحديدة إلى أخيه فهذا أشد خطراً لكننا نحكي الواقع، وحكاية الواقع لا يعني إقراره، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:«لتتبعن سنن من كان قبلكم اليهود والنصاري» وحكايته إياه لا يدل على إقراره، فالحاصل: أنه إذا مات ما فيه الروح جاز اتخاذه غرضاً بشرط ألا يؤدي ذلك إلى إفساد المال.
فإن قال قائل: يعزم معلمو الصيود اليوم أنه لا يمكن أن يتعلم الصيد حتى تطلق أمامه حمامة أو نحوها، فهل إطلاقها جائز، أو نقول: هي مثل هذا الحديث أنه يتخذ شيئاً فيه الروح غرضاً لكنه اتخذه غرضا للصيد فهل نقول: إنه يدخل في هذا الحديث دخولا لفظياً أو دخولا معنوياً؟
الجواب: أن الظاهر أنه لا يدخل في الحديث إذا لم يمكن تعليم الصيد إلا بذلك والفرق بينه وبين السهم: أن السهم يمكن أن تجعل شيئاً ليس فيه الروح غرضاً أما هذا فلا يمكن أن نعرف أن نعلم الصيد إلا بهذا.
[حكم ذبح الحجر وذبح المرأة الحائض]
وعن عكب بن مالك رضي الله عنه:«أن امرأة ذبحت شاة بحجر، فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأمر بأكلها» رواه البخاري.
هذا الحديث ساقه البخاري رحمه مختصراً، والقضية التي وقعت أن جارية كانت ترعى غنماً بتل قريباً من المدينة، وكان في ذلك الوقت محل الرعي، الآن كله عمائر، كانت ترعى الغنم فأصاب الذئب شاة منها فأدركته أخذت حجراً له حد فذبحتها، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأكلها.
وهذا الحديث فيه فوائد ذكرنا أظن فوق العشرة في كتابنا «الأضحية والذكاة» عشر فوائد تؤخذ من هذا الحديث نأخذ منها ما تيسر.
أولاً: فيه دليل على جواز الذبح بالحجر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر ذلك، حيث أمر بأكل الذبيحة