القضاء يضاف إلى الله تعالى ويضاف إلى العبد والمراد به هنا القضاء المضاف إلى العبد، وليس القضاء المضاف إلى الله، لكن مع ذلك يحسن أن نتكلم عن القضاء المضاف إلى الله عز وجل.
القضاء المضاف إلى الله نوعان: قضاء شرعي، وقضاء قدري كوني، فالقضاء الشرعي ما أمر الله به، وعلى هذا يكون قضى بمعنى أمر، مثاله: قول الله تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانًا}[الإسراء: ٢٣]. قضى يعني: أمر، وقوله تعالى:{والله يقضى بالحق}[عاقر: ٢٠]، يعني: يشرع الحق، والقضاء القدري: هو ما قضاه الله تعالى قدرًا وكونًا، ولا يلزم أن يكون فيما يحبه الله ومنه قوله تعالى:{وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين}[الإسراء: ٤].
فالقضاء هنا كوني قدري بلا شك؛ لأن الله لا يمكن أن يقضي شرعًا بالفساد، بل هو لا يحب الفساد، فالقضاء المضاف إلى الله ينقسم إلى هذين القسمين: كوني قدري، وشرعي، والشرعي يكون فيما يحبه الله، والكوني فيما يحبه وما لا يحبه.
[معنى القضاء والفرق بين القاضي والمفتي]
أما القضاء المنسوب إلى الإنسان فهو تبيين الحكم الشرعي والإلزام به، فالقاضي في المحكمة يبين الحكم الشرعي ويلزم به، وبهذا يعرف الفرق بين القاضي والمفتي، المفتي لا يلزم أحدًا، والقاضي يلزم، ولهذا صح الإفتاء على الغائب، ولا يصح القضاء على الغائب؛ لأن القضاء على الغائب إلزام له وقد يكون له حجة تدفع الإلزام، وأما الفتوى فليست إلزامًا؛ ولهذا لما استفتت امرأة أبي سفيان النبي صلى الله عليه وسلم بأنه رجل شحيح قال:"خذي ما يكفيك" مع أن المقضي عليه غائب، لكن هذا ليس من باب القضاء، بل من باب الفتوى.
فإذن القضاء اصطلاحًا: تبيين الحكم الشرعي والإلزام به. الفتوى: تبيين الحكم الشرعي بدون إلزام، ولهذا جازت الفتوى على الغائب ولم يجز القضاء على الغائب.
والقضاء من فروض الكفاية، وإذا لم يوجد إلا واحد يصلح للقضاء صار فرض عين عليه؛ لأنه لابد أن يوجد للناس من يقضي بينهم.