٥٢٨ - وعن جابر بن سمرة (رضي الله عنه) قال: "أتى النبي (صلى الله عليه وسلم) برجل قتل نفسه بمشاقص، فلم يصل عليه"، رواه مسلم.
"أتى برجل" أي: جيء به إليه وهو ميت، "قتل نفسه بمشاقص"، الباء هذه للاستعانة أو للسببية؟ الأقرب أنها للاستعانة كما يقال: ذبحته بالسكين وضربته بالعصا، وقوله:"بمشاقص": جمع مشقص، قال أهل اللغة: والمشقص: نصل عريض، يعني: نصل من السهام لكنه عريض، "وقتل نفسه" الله أعلم ما سبب هذا القتل، لكن قتل النفس محرم من كبائر الذنوب، وقد ثبت عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أن من قتل نفسه بشيء عذب به في جهنم، وإن كان بحديدة فهو يجأ بها نفسه خالدًا مخلدًا في نار جهنم، وإن كان جسمًا فإنه يتحساه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها، إن كان مترديًا من جبل فإنه يتردي في نار جهنم خالدًا مخلدًا، المهم: أن من قتل نفسه بسبب عذب به في جهنم، وهذا داخل في عموم قوله تعالى: {ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابًا عظيمًا) [النساء: ٩٣].
إلا أن العلماء اختلفوا هل من قتل نفسه عليه كفارة أو ليس عليه كفارة؟ فالمشهور من المذهب: أن عليه كفارة، وعلى هذا فلو أن الإنسان حصل عليه حادث بتفريطه أو بتعديه ومات من فعله فإنه يجب أن يخرج عنه كفارة من تركته، بأن يشتري رقبة وتعتق، والصحيح إنه لا يحب كما سيأتي- إن شاء الله-، المهم: أنه قاتل نفسه مخلد في النار كما جاء في الحديث الصحيح.
وقوله:"فلم يصل عليه" أي: النبي (صلى الله عليه وسلم)، ولكن هل صلى عليه غيره؟ يحتمل لأنه لم يقل: وأمر بالصلاة عليه، بل قال: فلم يصل عليه، ولكننا نقول: لو كان غيره لم يصل عليه لقال: فلم يصل عليه بالبناء للمجهول، ولما قال:"فلم يصل" وخص الفعل بالنبي (صلى الله عليه وسلم) دل على أن صلى علي، ويؤيده لفظ رواية النسائي:"أما أنا فلا أصلى عليه".
وهذا ظاهر أو كالصريح بأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) هو الذي لم يصل عليه، وأما غيره فقد صلى عليه، ويؤيده من حيث المعنى أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان قبل أن يفتح عليه إذا أتى برجل مدين ليس له وفاء لا يصلى عليه، ويقول:"صلوا على صاحبكم". إذن الذي يترجح- إن لم يكن متعينًا- هو أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لم يصل عليه ولكن الصحابة صلوا عليه.