فيستفاد من هذا الحديث: تعظيم قتل النفس، لأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) عزره بترك الصلاة عليه، ولكن هل هو تأديب له، أو ردع لغيره؟ الثاني، أما هو فلا يفيده التأديب.
ويستفاد من هذا الحديث أيضًا: أنه يشرع للإمام أو كبير القوم ألا يصلى على قاتل النفس، ولكن هل يكره أو يحرم؟ فيه قولان لأهل العلم، فمنهم من قال: يحرم أني صلى، ومنهم من قال: يكره، والصحيح: أنه راجع إلى مراعاة المصلحة، فإذا تعينت المصلحة في عدم الصلاة عليه وجب ألا يصلى وحرمت الصلاة، وإن كان الأمر ليس ذا أهمية عند الناس فهو إلى الكراهية أقرب، المهم أن المشروع ألا يصلى على قاتل نفسه.
ويستفاد من هذا الحديث: أن قتل النفس كبيرة، كيف ذلك؟ لأن الرسول لم يصل عليه، وهذا نوع من العقوبة، وقد حد شيخ الإسلام الكبيرة في بعض كتبه بأنها كل ما رتب عليه عقوبة خاصة فإنه من كبائر الذنوب أيا كانت هذه العقوبة.
وهنا سؤال يطرح نفسه: هل قاتل نفسه للتخلص من ويلات الحياة الدنيا ونكباتها هل يفيده ذلك شيئًا؟ يفيده أنه ينتقل إلى عذاب أشد، هو كالمستجير من الرمضاء بالنار كما قال الشاعر:[البسيط]
والمستغيث بعمرو عند كربته *** كالمستغيث من الرمضاء بالنار
أيهما أهون؟ الرمضاء أهون، فالمهم أن أولئك الذين ينتحرون- والعياذ بالله- ليتخلصوا من ويلات الدنيا ونكدها لا يزيدهم ذلك إلا بلاء وعذابًا، لأنه من حين ما تخرج أرواحهم تخرج إلى العذاب، نسأل الله العافية؛ لأنه كما جاء في الحديث: يخلدوا في النار، وقد مر علينا أن مذهب أهل السنة والجماعة في هذه المسألة وغيرها من كبائر الذنوب: أن فاعل الكبيرة تحت مشيئة الله قد يعفو الله عنه وإن لم يتب، أما إذا تاب فبالإجماع، لكنه إذا لم يتب فالصيح عند أهل السنة- وهو الحق بلا شك: أنه تحت المشيئة، لأن الله تعالى ذكر آيتين مكتنفين لآية القتل التي فيها الوعيد بالخلود: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد أفترى إثمًا عظيمًا (٤٨)) [النساء: ٤٨]، هذه بعد آية القتل، وهذا يدل على أن الخلود المذكور في آية القتل داخل في هذا، ولكن إذا قيل: إذا كان داخلاً في ذلك وأن القاتل تحت المشيئة فكيف نجيب عن الآية؟
نقول: اختلف في هذا أجوبة أهل العلم، وقد ذكرنا من قبل ثلاثة أجوبة: الجواب الأول: