للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غيرها شيء من محاسن الأخلاق إلا وهو عند المسلمين، لكن المسلمين حقيقة فرطوا وأضاعوا وصاروا يتخلقون بأخلاق الكفار، والكفار يتخلقون بأخلاقهم في المعاملة التي يُمَشون فيها دنياهم، أما في العبادة فهم ما أخلوا شيئا من الإسلام.

[حكم رجوع الوالد في هبته لولده]

٨٩٠ - وَعَن ابن عُمَرَ، وَابْنِ عَبّاس (رضي الله عنهما)، عن النبيّ (صلى الله عليه وسلم) قال: «لا يَلُ لِرَجُلٍ مُسلم أن يعطي العطية، ثم يرجع فيها؛ إلا الوالد فيمَا يُعطي وَلَدَهُ». رَوَاهُ أَحْمَد، وَالأربَعَة، وَصَحْحَهُ الترمذي، وَابْنُ حِبانَ، وَالحَاكم.

قوله: «لا يحل» من المعلوم أن الحل يقابله التحريم أو يقابله الحرام لقوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذَا حَلَالٌ وَهذَا حَرَامٌ} [النحل: ١١٦]. ولقوله تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: ١٥٧]. فإذا نفى أحدهما ثبت الآخر، فقوله: «لا يحل» كقوله يحرم، وقوله: «لرجل مسلم» الرجل: هو الذكر البالغ، والمسلم هو الذي أسلم لله بالتزام شرع محم (صلى الله عليه وسلم) ِ، وذكر الرجل بناء على الأغلب؛ لأن المرأة مثله ووصف بالمسلم من باب الإغراء على تجنب هذا العمل، كأنه يقول: إن كان مسلمّا فليجتنب كما نقول للإنسان: لا يحل لكريم أن يبخل يعني: بمقتضى كرمه، فلا يحل لرجل مسلم أي: بمقتضى إسلامه فهو من باب الإغراء، وقوله: «أن يعطى العطية» العطية فعيلة بمعنى مفعولة، يعني: أن يعطي شيئا ثم يرجع فيه بعد أن يسلمه، «إلا الوالد فيما يعطي ولده» الوالد اسم فاعل من ولد يلد وهو شامل للذكر والأنثى، لأن الأم تُسمّى والدة، والأب يسمى والد، وقوله: «فيما يُعطي ولده» يشمل الذكر والأنثى يعني: كل الذي يعطيه فإنه يجوز أن يرجع، ووجه ذلك أن الوالد له أن يتبسط بمال ولده يعني: له أن يأخذه منه بلا عوض، فإذا كان كذلك فله أن يرجع فيما وهبه له، ولو بعد ملكه إياه.

ففي الحديث فوائد: أولا: تحريم الرجوع في العطية، يُؤخذ من قوله: «لا يحل».

ومن فوائده: إبطال قول من يقول: إن العود في الهبة جائز، لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) شبه ذلك برجوع الكلب في قيئه، ورجوع الكلب في قيئه لا يترتب عليه إثم فيكون جائزا، فنقول: هذا الحديث مما يردُ به على هذا التأويل الفاسد.

ومن فوائد الحديث: أنه لا يحل للرجل أن يعطي عطية ثم يرجع، فمفهومه أن الأنثى تحل لها أن تعطي عطية ثم ترجع، ولكن هذا المفهوم غير معتبر، وذلك لأن التعبير بالرجل من باب

<<  <  ج: ص:  >  >>