صلاة فعلت مع أختها في وقتها، بل قالوا: إنه جمع صوري، كيف يكون صوريًّا؟ قالوا: لأن المعنى أن تؤخر الصلاة الأولى حتى إذا لم يبق في الوقت إلا بقدرها صليت، ثم صُليت الثانية في وقتها فيكون الجمع صوريًا، ومن المعلوم أن هذا الجواب ليس بصحيح؛ لأن هذا الجمع الصوري إن ثبت فإنه ليس بسهولة، بل هو في غاية ما يكون من المشقة، بل إن تحقيقه قد يكون متعذرًا، فمن الذي يرقب الشمس في العشي حتى إذا لم يبق من كون الشيء مثل ظله، أو من كون الظل مثل الشاخص إلا مقدار صلاة الظهر، هل أحد يستطيع أن يرقب هذا إلا بمشقة، ومن الذي يستطيع أن يرقب الشفق الأحمر لصلاة المغرب حتى إذا لم يبق على مغيب الشفق الأحمر إلا صلاة المغرب صلى المغرب ثم صلى العشاء، هذا في غاية ما يكون من المشقة، ولهذا هم من أرادوا أن يوقعوا الناس في سهولة ولكنهم أوقعوهم في حرج، وأمّا الذي قالوا بالجواز مطلقًا، وأن هذا التوقيت على سبيل الأفضلية وليس على سبيل الوجوب، قالوا لأنه ثبت في الصحيح من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال:"جمع النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر"، وفي رواية:"ولا سفر". قالوا: فهذا دليل على أنه يجوز؛ لأنه قال: جمع بدون سبب، ولكننا نجيب عن ذلك بأنه لم يقل: إنه جمع بدون سبب، وإنّما قال:"جمع بدون خوف، ولا مطر" يعني: فنفى هذين السببين؛ لأن هذين السببين يبيحان الجمع، فهو قد جمع بدون خوف ولا مطر، ولكن لسبب آخر، ما هو السبب؟ سئل ابن عباس رضي الله عنه لماذا جمع؟ فقال:"أراد ألا يحرج أمته"، معنى "ألا يحرجها": أي: لا يوقعها في حرج، فدل هذا على أنه وجد الحرج في إفراد كل صلاة في وقتها فإنه يجمع، وإن لم يوجد الحرج فإنه لا يجوز الجمع؛ لأن الله يقول:{إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا}[النساء: ١٠٣]، والنبي- عليه الصلاة والسلام- بين المواقيت؛ إذن نرجع إلى أن القول الثالث الوسط وهو أن الجمع يجوز إذا كان فيه حرج ومشقة، فعلى هذا يجوز الجمع في السفر أم لا؟ يجوز الجمع في السفر؛ لأن فيه نوعًا من المشقة وإن كانت المشقة غير كبيرة؛ يعني: بإمكان الإنسان أن يقف ويصلي، لكن هذا فيه نوع من المشقة لا سيما في الزمن الأول على الإبل، فيقال: السفر يجوز فيه الجمع إذا كان سائرًا كما في هذا الحديث.
[حالات جمع التقديم والتأخير]
ثم نقول: ما هو الأفضل جمع التقديم أو التأخير؟ نقول: الأفضل ما هو الأيسر، فإن ارتحلت قبل أن تزيغ الشمس فالأفضل التأخير، وإن بقيت حتى زاغت الشمس فالأفضل التقديم ما دام أن