الأمر كله مبنيًّا على التسهيل والتيسير، فما كان أسهل وأيسر فهو الأفضل، فإذا كان الشرع أجاز لك أن تخرج الصلاة عن وقتها أو تقدمها قبل وقتها من أجل التيسير عليك، فكذلك نقول: الأفضل أن تتبع الأيسر، فإن كنت غير جاد في السفر - يعني: لست على ظهر السّير إنّما أنت مقيم- فهل تجمع أو لا تجمع؟ قال شيخ الإسلام وجماعة من أهل العلم: إنه لا يجوز الجمع للمسافر إذا لم يجد به السير إذا كان مقيمًا على ماء أو مقيمًا يريد أن يقيل، فإذا أبرد الوقت مشى يقول: لا يجوز له أن يجمع، ويستدل لذلك بأنه ورد في حديث ابن عمر قال:"كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع إذا جدَّ به السير"، وفي لفظ:"إذا كان على ظهر سير"، وقال: إن الرسول- عليه الصلاة والسلام- في منى مقيم فكان يقصر ولا يجمع، وعلل ذلك أيضًا بأن الجمع سببه المشقة، وليس السفر، بدليل أنه يجوز للمقيم إذا وجد سببه، فالسفر ليس علة فيه، وذهب أكثر أهل العلم إلى أن السفر سبب للجمع وأن المسافر وإن لم يجد به السير فله أن يجمع، واستدلوا لذلك بالأثر والنظر: أمّا الأثر فقالوا: إنه ثبت في الصحيح: "أن الرسول - عليه الصلاة والسلام- يجمع بين الظهر والعصر"، وثبت في الصحيحين أيضًا من حديث أبي جحيفةفي إقامة الرسول - عليه الصلاة والسلام- في الأبطح في مكة أنه خرج النبي - عليه الصلاة والسلام- من قبة حمراء من أدم فتقدم فصلى الظهر ركعتين، والعصر ركعتين، ووضعت العنزة بين يديه، قالوا: وهذا ظاهره الجمع أنه صلاهما جميعًا، فدل هذا على أنه جائز.
ولكن نقول: إذا جدّ بك السير فالأفضل الجمع، وإن لم يجد بك السير فالأفضل عدم الجمع، ولكن لو جمعت فلا حرج.
أما النظر فقالوا: إن كان الشرع أجاز للمسافر أن يقصر الصلاة ركعتين من أجل التيسير عليه فالجمع بين الصلاتين أيسر، يعني: مثلًا أيهما أيسر لو قيل لك: صلِّ الظهر والعصر جميعًا على أربع ركعات بدون قصر، أو صلِّ كل واحدة في وقتها على ركعتين، أيهما الأيسر؟ الأول أن أيسر؛ لأنك لا تقوم إلا مرة واحدة للصلاة ولا تتوضأ إلا مرة واحدة وتصلي وتنام خلاف أن تُطالب بكل صلاة في وقتها ولو كانت ركعتين، بمعنى: أن الإنسان يرى أن الأسهل أنه يجمع بين الظهر والعصر أسهل عليه أن يقال أقصر الصلاة وصلّ كل صلاة في وقتها، وهذا القول أصح، أي: أن السفر سبب من أسباب الجمع، لكن إن احتجت إليه فالجمع