يحصل من نقص قيمة السلعة، ولو على سبيل التقدير، ففيه مصلحة، وفيه أيضًا مصلحة للبائع من وجه آخر، لأن المشتري إذا سلم العربون وعلم أنه إن لم تتم البيعة أخذ منه العربون فسوف يتمم البيعة، ولهذا البائع يشترط العربون في الغالب لأجل أن يتمسك ويمسك المشتري ولا يتهاون، ففيه مصلحة للبائع وفيه أيضًا مصلحة للمشتري، لأن المشتري ربما إذا أخذ السلعة وذهب ونظر وفكر وقدر علم أنها لا تناسبه، فإذا كان لم يشترط الخيار فهي لازمة له، وإذا اشترط الخيار بالعربون صار غير لازم، وهذا يقع كثيرًا، تجد الإنسان يشتري الشيء راغبًا فيه جدًا ثم يتغير نظره فيه أو يأتيه من جهة أخرى نفس الشيء الذي اشتراه يهب له إنسان فتطيب نفسه عن الشراء ويرغب في ردّه، فإذا كان اشتراه عن طريق العربون انتفع.
فالقول الراجح في هذه المسألة - وعليه عمل الناس اليوم-: أن بيع العربون لا بأس به، لأنه مصلحة للطرفين، وليس من باب الميسر؛ لأن الميسر يكون فيه أحد الطرفين إما غانمًا وإما غارمًا، أما هذا فليس فيه غُرم، البائع رابح، لأنه يقول: إن تم البيع فلك، وإن لم يتم فأنا قد ربحت العربون.
فإذا قال قائل: هل العربون مقدر، أي: أنه يكون بنسبة شيء معين إلى الثمن أو على حسب ما يتفقان عليه؟
الجواب: هو الثاني، قد يعطيه من العربون عشرة ريالات والثمن منه مائة ألف، وقد يعطيه خمسين ألفًا والثمن مائة ألف، المهم: أن هذا شيء يرجع إليهم، لكن من المعلوم أنه إذا أعطاه عربون خمسين ألف من مائة ألف الغالب أنه لا يترك المبيع؛ لأن الخسارة كبيرة والبائع إذا كان يخشى سوف يطلب عربونًا كبيرًا حتى يستمسك من المشتري.
حكم بيع السلع حيث تُبتاع:
٧٦٩ - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:"ابتعت زيتًا في السوق، فلما استوجبته لقيني رجل فأعطاني به ربحًا حسنًا، فأردت أن أضرب على يد الرجل، فأخذ رجل من خلفي بذراعي، فالتفت، فإذا هو زيد بن ثابت، فقال: لا تبعه حيث ابتعته حتى تحوزه إلى رحلك، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تُباع السلع حيث تُبتاع، حتى يحوزها التجار إلى رحالهم". رواه أحمد، وأبو داود واللفظ له، وصححه ابن حبان والحاكم.
"استوجبته" يعني: تم العقد وحصلت المفارقة ولزم، وفي لفظ:"فلما قبضته".