وقوله:"أضرب على يد الرجل" يعني: أن أبيع عليه، وإنما كنى عن البيع بالضرب على اليد؛ لأنهم كانوا يفعلون ذلك أحيانًا، يقول مثلًا: اشتريت منك كذا وكذا، فيقول: نعم، ويضرب يده على يده فالمؤكد للبيع، ولهذا يُسمى عقد البيع ويُسمى صفقة، وليس المعنى تصكه على وجهه، لكن المعنى: أنك تصفق يدك على يده، ومن التصفيق: ضرب اليد على اليد، فكانوا أحيانًا عند البيع - ولاسيما البيعات الكبيرة-يفعلون هذا كالمعاهد، الإنسان إذا أراد أن يُعاهد شخصًا مد يده وعاهد، كما قال الله تعالى:{إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله}[الفيتح: ١٠]. ولهذا سموا البيع بيعًا، لأنه مأخوذ من الباع، لأن كل واحد من المتعاقدين يمد باعه للآخر، المهم أن قول ابن عمر:" أردت أن أضرب على يده" أي: أتمم البيع معه وأتمم العقد.
يقول:"فأخذ رجل مني خلفي بذراعي" كأنه رفع يد ابن عمر فأخذ من خلفه ذراعه فالتفت فإذا هو زيد بن ثابت رضي الله عنه فقال: "لا تبيعه حيث ابتعته حتى تحوزه إلى رحلك، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تُباع السلع حيث تُباع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم"، (حيث) هذه ظرف مكان، و"ابتعته" بمعنى: اشتريته، يُقال: باع وابتاع كما يُقال: شرى واشترى، شرى: بمعنى باع، خلافًا للغة العُرفية عندنا أن شرى بمعنى اشترى، بل شرى بمعنى: باع، ومنه قوله تعالى:{ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله}[البقرة: ٢٠٧] أي: من يبيعها، واشترى مقابلها باع وابتاع كشرى واشترى.
وقوله:"حيث تُبتاع" أي: حيث تُشترى، "حتى يحوزها التجار إلى أماكنهم، إن كانت دكانًا ففي الدكان، وإن كانت بيتًا ففي البيت المهم إلى بيته الذي يسكنه أو إلى محل تجارته، وقوله: "حتى يحوزها التجار" وهم الذين يتعاملون بالتجارة والتكسب، والظاهر أنه ليس لها مفهوم، وأنها جاءت على الأغلب، وأن الإنسان إذا اشترى ولو لحاجته الخاصة ثم أراد أن يبيعه فلا يبيعه حتى يحوزه إلى رحله.
هذا الحديث فيه دليل على فوائد كثيرة منها: جواز البيع والشراء من العالم والفقيه وذي اتجاه بدليل فعل ابن عمر رضي الله عنهما ولا يُخفى على أحد مكانة ابن عمر رضي الله عنهما من العلم والفقه والدين والورع وهو كذلك، أي: أنه يجوز للعالم والفقيه والعابد أن يبيع ويشتري كغيره، لكن كره بعض أهل العلم أن يبيع القاضي ويشتري بنفسه، وإنما كرهوا ذلك لئلا يُحابي القاضي ويكون عند المحابي له خصومة، لأن القاضي كل الناس إما أن يحتاجوه وإما أن يترقبوا حاجتهم إليه، فربما يحابونه تحسبًا لما سيكون عندهم من المخاصمة، ولكن الصحيح أنه لا يُكره للقاضي أن يبيع ويشتري لحاجاته، أما في مسألة التجارة وطلب التكسب فالأولى أن يتنزه