٥٨٦ - وعن أبي موسى الأشعري ومعاذ رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهما:"لا تأخذا في الصدقة إلا من هذه الأصناف الأربعة: الشعير، والحنطة، والزبيب، والتمر". رواه الطبراني والحاكم.
"الشعير" معروف هو حب يكال ويقتات، و"الحنطة" حب يكال ويقتات لكنهما نوعان مختلفان، فيكون هذان النوعان المختلفان يتخذهما الناس قوتا، فعليه نقول: كل ما كان قوتا ففيه الزكاة، وظاهر الحديث أنه لا فرق- إذا جعلنا هذه العلة- بين ما يكال وما لا يكال، وإذا قلنا: إنه خاص بهذه الأشياء بنوعها، فإنه يبطله حديث جابر وأبي سعيد السابقين، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:"ليس فيما دون خمسة أوسق من تمر صدقة"، وهذا صريح في أن الزكاة تجب في التمر مع أنها ليست من هذه الأصناف الأربعة، فيكون الحصر هنا حصر جنس أو نوع وليس حصر شخص، يعني: لا تأخذها إلا في هذه الأشياء وما كان نظير لها، أيضًا الزبيب لأنه مأخوذ من العنب فهو يكال ويدخر بعد أن يكون زبيبًا، والتمر يكال ويدخر بعد أن يكون تمرًا قبل أن يكون رطبًا، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم عد هذه الأصناف الأربعة ثم ألقينا الضوء عليها وجدنا أنها قوات للناس تكال وتدخر فعليه تجب الزكاة في كل قوت يكال ويدخر.
فقولنا:"في كل قوت"، خرج به ما ليس بقوت مثل حب القت الذي يسمى البرسيم، الحب الذي يفصص هل تجب فيه الزكاة لو جمع الإنسان من هذا الذي يسمونه الفصفص فلا تجب فيه الزكاة، لأنه ليس قوتًا، فالصحيح أن الحد فيما تجب فيه الزكاة مما تخرجه الأرض أنه ما كان حبًا أو ثمرا يقتات ويدخر، لأنك إذا تأملت هذه التي يجب فيها الزكاة وجدتها كذلك، ولا بد من اعتبار التوسيق لقوله:"ليس فيما دون خمسة أوسق"، فلا بد أن يكون مما يوسق ويكال، وأما ما لا يوسق ولا يكال فهو وإن كان قونًا ويدخر فليس فيه زكاة، فإنه يوجد بعض الفواكه يكون قوتًا عند أهله وربما يدخرونه لا سيما بعد وجود الآلات المبردة ومع ذلك نقول: ليس فيه زكاة.
"الزبيب" هو العنب إذا جف، ولكن اعلم أن العنب ينقسم إلى قسمين: قسم لا يمكن أن يأتي منه زبيب أبدا مثل العنب البلدي هنا، وقسم آخر يمكن أن يكون زبيبًا، فأيهما أشبه بتمر النخل؟ الأخير أشبه بتمر النخل، وأما الأول فأشبه بالفواكه، لأنه لا يؤكل إلا طريًا ولو يبس لفسد