ومن فوائد الحديث: حماية الأموال والأعراض والأبدان؛ لأن هذا النهي من أجل ألا يخطئ الحاكم في حكمه، والخطأ في الحكم يعتبر جناية على الأموال والأبدان والأعراض، فمن أجل حمايتها نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن القضاء بهذه الحال وهو غضبان.
ثم هل النهي هنا للتحريم أو للكراهة؟ قال بعض العلماء: إنه للكراهة، وقال بعضهم: إنه للتحريم وهو الأصح؛ لأن الأصل في النهي التحريم، ولأن هذا يؤدي إلى الخطأ في الحكم إذا حكم في هذه الحال فالصواب: أنه -أي النهي- للتحريم وأنه إذا خالف فأصاب الحق فالحكم نافذ.
[لا يقضي القاضي حتى يسمع قول الخصمين]
١٣٣٢ - وعن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا تقاضى إليك رجلان، فلا تقض للأول، حتى تسمع كلام الآخر، فسوف تدري كيف تقضي، قال علي: فما زلت قاضياً بعد». رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي وحسنه، وقواه ابن المديني، وصححه ابن حبان.
- وله شاهد عند الحاكم: من حديث ابن عباس.
"وإذا تقاضى إليك رجلان" تقاضى أي طلبا أن تقضي بينهما، وقوله:«رجلان» بناء على الأغلب، وإلا فالمرأتان كالرجلين، والمرأة والرجل كالرجلين أيضاً.
وقوله:"فلا تقض للأول" وهو المدعي "حتى تسمع كلام الآخر"؛ لأنه من الممكن القريب أن يكون عند الآخر ما يدفع به دعوى هذا المدعي، ولولا أن عنده ما يدفع به دعوى المدعي ما تقاضى إلى القاضي مع خصمه.
وقوله:"حتى تسمع كلام الآخر فسوف تدري كيف تقضي" يعني: إذا سمعت كلام الآخر فحينئذ تعرف كيف تقضي، ويتبين لك الأمر قال علي:"فما زلت قاضياً بعد" أي: بعد أن قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكلام وأخذت به ما زلت قاضياً؛ أي: قاضياً حقاً؛ لأن ليس كل قاض يكون قاضياً، لكن من عمل بما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء فإنه يكون قاضياً، فقوله:"فما زلت قاضياً بعد" المعنى: أنني حين عملت بهذا ما زلت قاضياً حقاً؛ لأنه ليس كل قاضٍ يكون قاضياً.
ففي هذا الحديث: أنه لا يجوز أن يقضي لأحد الخصمين حتى يسمع الإنسان كلام الخصم الآخر.