خلق ذميم والإسراف كذلك خلق ذميم ولهذا مدح الله الذين يكونون بين هذا وهذا فقال:{والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قوامًا}[الفرقان: ٦٧]. نحن نقول أنفق لكن بدون إسراف وبدون بخلٍ، قم بالواجب، وقم بما تقتضيه المروءة بين الناس، ولا تزد على ذلك والاقتصاد نصف المعيشة.
إذا قال قائل: هل من البخل البخل بالنفس الذي هو الجبن؟ يمكن أن يقال: إن ذكر البخل والجبن فالبخل في المال والجبن في النفس وإن أطلق البخل فقد يشمل البخل في النفس وهو الجبن؛ لأن بعض الناس يجود بماله ولا يهمه ولكن لا يجود بنفسه جبان، هذا نقول: إنه بخيل قد يشمله لفظ البخيل يقال له: اخرج اغز يقول: أخاف أن تأتيبني رصاصة، يجد رجلاً معه متاعه، فيقول: هذا معه مسدس ويهرب من الرجل هذا لأنه جبان هذا بخيل بنفسه، لكن تجد هذا الرجل عند بذل المال يبذله بسخاء، نقول هو كريم بماله بخيل بنفسه، لكن الذي يظهر من الحديث أن المراد بالبخيل هنا: البخل بالمال لقوله: "وإنما يستخرج" والذي يستخرج هو المال.
إذن في الحديث ذم البخل وكما قلنا: إنه ينبغي للإنسان بل يجب أن يكون إنفاقه بين بين، بين البخل والإسراف.
[كفارة النذر]
١٣١٧ - وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كفَّارة النَّذر كفَّارة يمينٍ". رواه مسلم وزاد التِّرمذيُّ فيه:"إذا لم يسمِّ"، وصحَّحه.
قوله:"كفارة النذر" كلمة النذر، هل "ال" فيها للعموم أو المراد نذر معين؟ قال بعض أهل العلم: إنها للعموم، ولكن هذا ليس بصحيح، وحتى لو قلنا: إنها للعموم، فإنه يخصص منها نذر الطاعة فإنه لا يجزئ فيه كفارة يمين، بل لابد من فعل المنذور؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"من نذر أن يطيع الله فليطعه"، وقوله:"كفارة النذر كفارة يمين" ظاهره العموم فيشمل كل نذر، لكن رواية الترمذي "إذا لم يسمه" تقيد هذا النذر، يعني: النذر الذي لم يسم بأن قال الإنسان: لله عليّ نذر وسكت نقول: الآن عليك كفارة يمين، والحكمة - والله أعلم- في ذلك: من أجل أن يحترم الإنسان النذر حتى لا يعود، وحتى لا يكون النذر على لسانه، وحتى يبتعد عن الضيغة التي تقتضي إلزامه بما لم يلزمه الله به وهذا هو القسم الخامس على حسب ما شرحناه.