إذا قال قائل: هلى يلحق بالنخل ما عداه كالعنب والتين والبرتغال؟ نعم يلحق به، فما سواه في العلة مثله؛ لأن القاعدة الشرعية أن الشرع لا يتناقض {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كبيرا}[النساء: ٨٢]. أما ما كان من عند الله فليس فيه خلل فالشريعة لا تفرق بين متماثلين ولا تساوي بين متفرقين، وإذا توهمت شيئا خلاف هذه القاعدة فاتهم نفسك ولا تعتد برأيك فإن الرأي خوان؛ لأن النصوص محكمة من عند الله محفوظة بحفظ الله، ووهمك قاصر معرض الخطـ فاتهم الرأي في مقابل الشرع ولا تعتد بنفسك.
وعلى هذا فتقول ما ساوى النخل في العلة فهو مثله، فإذا كان الثمر لم يتفتح زهره فإنه يتبع الشجرة ويكون للمشتري، وإذا تبع وتعلقت به النفوس وتفتحت أزهاره فإنه يكون للبائع، ويرجع في هذه الأمور التي ليست فيها تأبير إلى ما قاله أهل الصنف فيها.
* * * *
[٥ - أبواب السلم، والقرض، والرهن]
كيف قال:"أبواب السلم" والسلم ليس له إلا باب واحد؟
نقول: جمع ذلك باعتبار أنه متضمن لثلاثة أبواب من أبواب العلم، وهي السلم والقرض والرهن، فلنبدأ أولا بالسلم وما هو؟
السلم في اللغة: يظهر لي أنه اسم مصدر تسليما، يقال: سلك تسليما وسلما، ويحتمل أن يكون فعل بمعنى: مفعول؛ أي: مسلم، ويقال في لغة أخرى: السلف، وهو لغة العراقيين، وهو مأخوذ من أسلف أي: قدم، وكلاهما بمعنى التقديم، فهو تقديم العوض وتأخير المعوض، هذا السلم في اللغة، أن تقدم العوض وتؤخر المعوض كيف ذلك؟ أردت أن تشتري مائة صاع بر فجئت إلى فلاح وقلت: بعني مائة صاع بر فقال: ما عندي بر الآن، انتظر حتى يأتي وقت الحصاد، فقال: أعطني دراهم أن محتاج الآن، فأعطيته دراهم وكتبت ما بيني وبينه يسمى هذا سلم وهو الذي قدم فيه الثمن أو العوض وأخر المعوض الذي هو المثمن، وقال الفقهاء: إنه عقد على موصوف في الذمة مؤجل بثمن مقبوض في مجلس العقد، هذا تعريف طويل، عقد على موصوف في الذمة" أولا: "على موصوف" أنه لا يصح على معين؛ يعني: لا يمكن الإسلاف في شيء معين مثل أن أسلم إليك دراهم في سيارة كالمعلومة هذه لا يصح، وقولهم: "على موصوف في الذمة" أي: لا يصح أيضا على موصوف معين؛ لأن الموصوف قد يكون في