الظاهر لي أنه لا يرجع، وعلى كل حال: لو قيل: يرجع بقدر النخل خاليا من الثمرة وبقدر فيه الثمرة وما بينهما هو قيمة الثمرة، لكنه لا يقدر؛ لأن هذا تابع والحديث يقول:«لو بعت من أخيك ثمرا»، وأنا ما بعت، فهو يشبه -والله أعلم- الصفة، والقول بالرجوع له وجه قوي في الواقع؛ لأن الظاهر أن اشتراط المشتري للثمر سوف يزيد به الثمن يعني: ليس سواء عن البائع أن يبيعه والثمرة له أو أن يبيعه والثمرة للمشتري، فلا شك أن الثمن سيزيد، فلهذا يترجح القول بأنه يرجع على البائع؛ لأن المشتري اشترط أن يكون الثمر له، ويكون قول الرسول صلى الله عليه وسلم:«لو بعت من أخيك ثمراً» هذا بناء على الغالب أما من باع نخلا وعليه ثمر للبائع واشترطه، الظاهر أن القول بأنه يرجع كما لو اشتراه استقلالا قوي، والمسألة تحتاج إلى تأمل؛ لأنه -كما ذكرت- إذا اشترط المشتري أن الثمرة له فسوف يزيد في الثمن بلا شك.
ومن فوائد الحديث: جواز الشرط في البيع، أو بعبارة أصح: جواز البيع مع الشرط، وهذا له أصول كثير تشهد له عموما وخصوصا، فمن الأدلة العامة على جواز الشروط في العقد قوله تعالى:{يا أيها الذين أمنوا أوفوا بالعقود}[المائدة: ١]. والوفاء بالعقد يتضمن الوفاء بأصله والوفاء بوصفه وكل شرط يشترط قي العقد فهو من أوصافه، والأمر في الآية عام للوفاء بالأصل والوصف ولقوله تعالى:{وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا}[الإسراء: ٣٤]. والمشترط على نفسه شروطا معاهد لمن اشترطه، فتكون هذه الآية تدل على جواز الشروط والوفاء بها، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم:«أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج» كل هذه أدلة عامة من الكتاب والسنة، دليلان من القرآن، ودليلان من السنة، أما الخاصة فقد ثبت في الصحيحين وغيرها من حديث جابر أن الرسول صلى الله عليه وسلم اشترى منه جملا واشترط جابر عليه أن يحمله إلى المدينة، فقبل الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الشرط، وهذا نص في الشرط في البيوع.
وثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها في قصة بربرة حيث اشترطوا أن يكون الولاء لهم فأبطله الرسول صلى الله عليه وسلم وقال كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل فهو دليل على أن هذا الشرط الخاص بالعقد -عقد البيع- لو كان لا يخالف الشرع لكان صحيحاً، وهذا الحديث معناه واضح، إذن فيكون ما جاء في الحديث:«أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط» يجب أن يكون محمولا على شرط له أثر في إبطال العقد، وأما ما لا أثر في إبطال العقد فلا يعمه هذا الحديث، وقد سبق لنا مثل هذا كثيرا مثل نهي عن بيعتين في بيعة، وقلنا: إن مثل هذه المنهيات تنزل على بقية النصوص، وتحمل على ما دلت النصوص على بطلانه.