فإذا قال قائل: التصور الآن المعروف أن التصور يكون في الرأس يكاد الإنسان يلمسه لمساً. فيقال: نعم، سكرتير الملك يعمل المعاملات ويمحصها ويدققها، ثم يبعث بها إلى الملك من أجل التوقيع فيوقع، ومن ينفذ؟ الجنود، فالمسألة تصورها في المحسوس أمر ظاهر، ونحن وإن لم ندرك الشيء بتصويره في الأمر الظاهر المحسوس يكفينا قول الله ورسوله:{فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}[الحج: ٤٦]. حدثنا شيخنا عبد الرحمن السعدي أنه في معركة الخلاف بين الناس كان يوجد أحد المعتزلة قال: إن العقل في القلب، وخصومه يقولون: العقل في الدماغ، المهم: أنه قضي عليه بالإعدام، فقال: إذا قصصتم رأسي إن كان عقلي في قلبي فأنا سأشير بأصبعي، وإن كان في رأسي فلا أستطيع أن أشير، فلما قطع رأسه أشار بأصبعه مما يدل على أن العقل في القلب.
[مبحث حديث الحلال والحرام من جامع العلوم والحكم]
-عن النعمان بن بشير (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: - وأهوى النعمان بأصبعيه إلى أذنيه-: «إن الحلال بين، وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات؛ فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب». متفق عليه. هذا الحديث صحيح متفق على صحته من رواية الشعبي عن النعمان بن بشير، وفي ألفاظه بعض الزيادة والنقص، والمعنى واحد أو متقارب. وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) من حديث ابن عمر، وعمار بن ياسر، وجابر، وابن مسعود، وابن عباس، وحديث النعمان أصح أحاديث الباب.