للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن أيضا بشرط ألا يضر المسلمين الآخرين يعني: بأن تكون المراعي واسعة، أما إذا كان يضرهم مثل ألا يوجد في مراعي البلد إلا هذه القطعة؛ فإنه لا يجوز أن يحميها ولو لمصالح المسلمين؛ وذلك لأن المصالح العامة لا يمكن أن تقضي قضاء مبرماً على المصالح الخاصة؛ لأننا لو قلنا: لك أن تحمي إبل الصدقة، بقيت إبل الناس تموت جوعاً، فإذا كان يضرهم فهو ممنوع حتى وإن كان للمصالح العامة. ومن فوائد الحديث: أن حمى الله محارمه؛ يعني: أن المحارم جعلها الله تعالى بمنزلة الحمى لا تقرب، ولهذا قال العلماء: إذا قال الله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} [البقرة: ١٨٧]. فالمراد بالحدود: المحرمات، وإذا قال: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوها} [البقرة: ٢٢٩]. فالمراد بها: الواجبات، لأن الله (عز وجل) جعل حدوداً لحفظ النفوس، وحدودا واجبات لتزكية النفوس، لأن النفوس محتاجة إلى تزكية وحماية. ومن فوائد الحديث: أن القلب هو المدبر للجسد لقوله: «إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله إلا وهي القلب». ومن فوائده: الرد على من قال: إن المراد بالقلب هو العقل الذي محله في الدماغ على زعمه، فنقول: إن الرسول قال: «في الجسد مضغة» وهي القلب، وهذا ليس معقولا، بل هو شيء محسوس، ومن ثم وقع النزاع بين علماء الشريعة وعلماء الطبيعة والفلسفة هل العقل في الدماغ أو العقل في القلب؟ وطال النزاع من قديم الزمان، قال الإمام أحمد: العقل في القلب وله اتصال في الدماغ، وهذا هو ما دل عليه القرآن، قال الله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} وأين القلوب؟ في الصدور، قال الله تعالى: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: ٤٦]. فالقرآن والسنة كلاهما يدل على أن محل العقل وتدبير البدن هو القلب وهذا هو الذي دلت عليه النصوص. فإن قال قائل: أليس الرجل إذا اختل دماغه اختل عقله؟ قلنا: بلى، لكن لا مانع أن يكون أصل العقل في القلب، ثم يصدر الأوامر إلى المخ من أجل أن تدير هذه المملكة العظيمة، لأن جسد الإنسان مملكة عظيمة فيها من جميع الآلات، وأظن بعضكم يعرف أن في بدنه حديداً، كل المواد موجودة في البدن، وكل المعادن موجودة في البدن، ولهذا قال الله تعالى: {وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (٢٠) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الذاريات: ٢١، ٢٠]. هذا الجسد هو دولة في الواقع، فلابد للملك الذي يدير من جنود، فالمدبر الملك وهو القلب، والجنود الدماغ والأعضاء، فأقرب ما يقال في تصوير المسألة أن أصل التدبير في القلب والمخ مساعد.

<<  <  ج: ص:  >  >>