قلنا: نعم يجوز؛ لأنه إذا كان الرضاع في حقها لا يؤثر فقد قال الله تعالى:{وأحلَّ لكم مَّا وراء ذلكم}(النساء: ٢٤). ولكن هل يجوز ان يجمع بينها وبين بنتها من الرضاع؟ نقول: لا يجوز؛ لأنه إذا حرم الجمع بين الأختين فالجمع بين الأم وبنتها من باب أولى.
هذا ما يقتضيه تقريرنا وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، ولكن من حيث الفتوى لا نفتي بالجواز؛ وذلك لأن جمهور العلماء - ومنهم أصحاب المذاهب الأربعة - على أن الرضاع له أثر في الصهر فلا نفتي بذلك لئلا يحصل ارتباك في مسألة القضاء لو ترافعوا للقضاة، فالقضاة سيحكمون بما عليه الجمهور وحينئذ يحكمون بفساد العقد، وإذا فسد العقد فسد ما يترتب عليه فنقول النساء كثير ولا تتزوجها، نعم لو لم يبق من بنات آدم إلا بنت زوجتك من الرضاع فلك أن تتزوجها؛ لان المسألة ليس فيها نص يدل على التحريم، ولا غرابة في ذلك أن نقول: لا تتزوجها وأنت لست محرمًا لها، فإن قضية سودة بنت زمعة مع الغلام الذي ادعاه سعد بن أبي وقاص وقال: إنه ابن اخي عتبة وعارضه فيه عبد بن زمعة قد حكم به النبي صلى الله عليه وسلم لعبد بن زمعة ومع ذلك قال لسودة وهي أخته: "احتجبي منه يا سودة"؛ لأنه رأى شبها بيَّنا بعتبة بن أبي وقاص، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الاحتياط وإثبات الحكم.
ومن فوائد الحديث: أن للتغذية أثرًا في التقارب بين الناس وفي غيرها؛ لان هذا الطفل لما تغذى باللبن صار كأنه منى أهل اللبن في مسالة النكاح والاحتياط له، ولا شك أن الإنسان يتأثر لما يتغذى به؛ ولهذا نص العلماء في باب الرضاع على أنه يكره استرضاع المرأة الحمقاء وسيئة الخلق؛ لأن ذلك يؤثر في طباع الصبي؛ ولذلك أيضًا حرم ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير؛ لان هذه حيوانات عادية فيخشى على من تغذى بها أن يكتسب من طباعها، والمسالة معروفة طبيًا بوضوح أن التغذية لها تأثير حتى في الصحة.
[صفة الرضاع الذي يثبت به التحريم]
١٠٨٩ - وعن أمِّ سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يحرِّم من الرَّضاعة إلا ما فتق الأمعاء، وكان قبل الفطام". رواه التِّرمذيُّ، وصحَّحه هو والحاكم.
قوله:"لا يحرم من الرضاع إلا" هذه الجملة فيها حصر على طريقة النفي والاستثناء؛ لان الحصر له طرق متعددة أقواها النفي والاستثناء، ما في مثل قولنا: لا إله إلا الله، والطريقة الثانية من حيث