من النسب" "ما" موصولة، ومحلها من الإعراب فاعل "يحرم"، قوله "من النسب" أي: القرابة سواء كان من جهة الأب أو من جهة الأم في هذه المسألة لان باب النكاح يتساوى فيه قرابة الأم وقرابة الأب، بخلاف باب الإرث، فإنه يختلف قرابة الأم عن قرابة الأب، فالخال لا يرث وهو أخو الأم والعم يرث وهو أخو الأب، لكن في باب النكاح يتساوى القرابتان قرابة الأم وقرابة الأب فالجدة أم أب، الأم في الميراث ليس لها شيء في تحريم النكاح يثبت التحريم في حقها، فيحرم على الإنسان أن يتزوج أم جده من قبل الأم مع أنه لا علاقة بينهما في الميراث، ما اشتهر عند العامة الآن من أن النسب هو المصاهرة نقول: هذه لغة عامية والذي ينبغي في اللغات العامية إذا خالف مدلولها مدلول الاصطلاح الشرعي أن تغير فقول العامة اليوم: نسيبي فلان - بمعنى قريب زوجتي - ليس بصحيح؛ لأن الله جعل النسب قسيم الصهر فقال:{وهو الَّذي خلق من الماء بشرًا فجعله نسبًا وصهرًا}(الفرقان: ٥٤). فكيف نجعل الصهر نسبًا؟ ! لا شك أن هذا غير مستقيم.
ومن فوائد الحديث شدة محبة الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إنهم يعرضون عليه بناتهم.
ومن فوائد الحديث: حكمة النبي صلى الله عليه وسلم في أنه إذا أراد الأمر يبين السبب؛ لأن في ذلك سكنًا لصاحبه وتطييبًا لخاطره، وهذه قاعدة النبي صلى الله عليه وسلم، لما أهدى إليه الصعب بن جثامة حماره الوحشي رده عليه فلما عرف ما في وجهه قال: "إنا لم نرده إلا أنا حرم"، وهذا من الآداب العالية، فإنك إذا ردت شيئًا لسبب ما ينبغي لك أن تبين السبب من أجل أن يطيب قلب صاحبك.
ومن فوائد الحديث: حسن تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم بقرن الحكم بالعلة لقوله: "إنها لا تحل لي إنها ابنة أخي من الرضاعة".
ومن فوائده: القاعدة العظيمة في التحريم من الرضاع، وأنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وعرفنا في الشرح أن المحرمات بالنسب سبع، فيكون المحرمات في الرضاع سبع، وما عداهن فالأصل الحل، وبناء على ذلك نقول: يحرم على الإنسان أمه التي أرضعته، وبنته التي رضعت من لبنه، وأخته، وعمته، وخالته، وبنت أخيه، وبنت اخته من الرضاع، وهل يحرم عليه أم زوجته من الرضاع؟ لا، ولا زوجة ابنه من الرضاع، هذا هو الذي يدل عليه النص، وليس هناك دليل على التحريم بالمصاهرة إلا هذا الحديث، وهذا الحديث دلالته ظاهرة في أنه لا أثر للرضاع في تحريم المصاهرة.
فإن قال قائل: على هذا التقرير يجوز للإنسان أن يتزوج أم زوجته من الرضاع؟