للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هل يؤجر الإنسان إذا أطعم ذرة أو نملة؟ نعم، إن كانت لا تؤذي، وقد حكيت عليكم قصة ذكرها ابن القيم عن رجل رأى ذرة تمشي فوضع لها طعامًا لكنها تعجز عن حمله فلما رأت الطعام وعجزت عن حمله ذهبت إلى صاحباتها ودعتهن فجئن فلما أقبلت الذر رفع الطعام، فجاءت الذر الطعام، وهذه التي ذهبت تستصرخهن جعلت تبحث ما وجدت شيئًا فرجعت الذر، ثم وضعه مرة ثانية فرأته هذه الذرة وتيقنت فرجعت إلى صاحباتها فلما أقبلن رفعه فجعلن يطلبنه ما وجدنه فانصرفن، ثم وضعه في المرة الثالثة فرأته الذرة فذهبت ودعت صاحباتها فجئن إليه فرفعه فلم يجدنه، يقول: اجتمعن عليها فقتلنها، الذرة هذه حكاية ابن القيم التبعة عليه رحمة الله، يقول: فحكيت ذلك لشيخي، فقال رحمه الله- شيخ الإسلام-: نعم يعني: كل ما له إرادة فإنه يكره الكذب ويجازى على الظلم، ما تقولون في هذا الرجل: هل عليه دية هذه الذرة؟ هو عليه إثم؛ لأنه تسبب في قتلها، إذن نقول: كل شيء يستفيد من الطعام فلك فيه أجر.

ويستفاد من هذا الحديث: أن هذا الجزاء مشروط بكون المنعم عليه به محتاجًا إليه لقوله: "على عري"، و"على جوع"، و"على ظمأ"؛ فإن لم يكن كذلك مثل أن يكسو إنسانا عنده كسوة لكن كساه نافلة فهل يصلح له هذا الأجر؟ الظاهر لا؛ لأن القياس هنا قياس مع الفارق؛ لأنه ليس دفعًا للحاجة كتحصيل الكمال النافلة.

[اليد العليا خير من اليد السفلى]

٦٠٣ - وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "اليد العليا خيرٌ من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، ومن يستعفف يعفَّه الله، ومن يستغن يغنه الله". متفقٌ عليه، واللفظ للبخاري.

قوله: "اليد العليا خير من اليد السفلى" هذه مبتدأ وخبر يد عليا ويد سفلى، فاليد العليا خير من اليد السفلى؛ لأن العليا عالية والسفلى نازلة، فما هي اليد العليا؟ فسرها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر بأن اليد العليا: يد المعطي، واليد السفلى: يد الآخذ المعطى؛ وهذا ظاهر؛ لأن المعطي أعلى رتبة من المعطى، على كل تقدير فتكون يده هي اليد العليا، وقيل: إن اليد العليا هي يد المعطى بلا سؤال واليد السفلى يد المعطى بسؤال، ولكن ما دام الأمر قد فسر من جهة المتكلم به فإن تفسير غيره إن كان لا ينافيه أخذ به، وإن كان ينافيه فإنه لا يؤخذ به؛ لأن المتكلم بالكلام أعلم به من غيره، إذن يد المعطي هي اليد العليا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فسرها بذلك، واليد السفلى هي يد الآخذ وإنما كانت خيرًا؛ لأنها معطية باذلة، ولأن لها منه، وأما الأخرى فهي معطاة محتاجة ومتشوفة للغير.

<<  <  ج: ص:  >  >>