قال النبي صلى الله عليه وسلم:"وابدأ بمن تعول"، يعني: إذا أعطيت فابدأ بمن تعول، أي: بمن تنفق عليهم وهم عائلتك الذين في بيتك، ومنهم نفسك؛ فإنك تعول نفسك إذ إنك مأمور بإحيائها وإبقائها، ومنهي عن إتلافها والإضرار بها.
قال:"وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى"، "خير الصدقة" هل يشمل الزكاة، أو المراد: صدقة التطوع؟ الظاهر: أنه يعم "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى"، والزكاة لا بد أن تكون عن ظهر غنى؛ لأنها لا تجب إلا في مال يبلغ النصاب، وتجب جزءًا قليلًا وهو ربع العشر في الذهب والفضة والعروض، ونصف العشر في الزروع التي تسقى بمؤنة، والعشر كاملًا في الزروع التي تسقى بلا مؤنة، وأما الماشية فليس لها حد محدود ولكنها معينة من قبل الشارع.
أما الصدقة- صدقة التطوع- فقد تكون عن ظهر غنى، وقد لا تكون عن ظهر غنى، إذا تصدق الإنسان بما زاد عن كفايته وكفاية عياله حتى وإن كان فقيرًا، لو كان هو يعد من الفقراء لكنه عنده فاضلًا عن قوته وقوت عياله فتصدق به فهذا صدقته عن ظهر غنى.
مثال ذلك: رجل يدخل عليه في كل يوم خمسة ريالات، ونفقته وعائلته أربعة ريالات، فتصدق بريال، صدقته هذه عن ظهر غنى، وهو يعد في هذا الدخل- في وقتنا هذا- من الفقراء. عرفا لماذا؟ لأن راتبه في الشهر (١٥٠) ريالًا، عندنا ليست شيئًا، لكن مع ذلك نقول إن هذا الرجال تصدق بصدقة عن ظهر غنى.
مفهومه: أن الصدقة لا عن ظهر غنى ليست خير الصدقة؛ يعني: أن الإنسان لو تصدَّق بما ينقص كفايته وكفاية عائلته فليست الصدقة هذه خيرًا، ويؤيد هذا قوله:"ابدأ بمن تعول"، فإذا صرفت المال لغير من تعول فقد خالفت أمر النبي صلى الله عليه وسلم.
فلو قال قائل: أنا أتصدق بما يأتيني من راتب وأبقى أنا وأهلي في حاجة.
قلنا: هذا ليس بصواب، وليس هذا خير الصدقة، بل خير الصدقة أن تصدق عن ظهر غنى في الفاضل عن كفايتك وكفاية عائلتك.
فإن قلت: ما تقول في قوله تعالى: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة}[الحشر: ٩]. وهذا في مقام مدح الأنصار- رضي الله عنهم؟
فالجواب: أن الإيثار ليس أمرًا دائمًا إنما هو يعرض لحاجة، فيبقى هذا الإنسان جائعًا ويعطي غيره لكنه يجوع ثم يجد الكفاية.
فإن قلت: ما تقول في قصة أبي بكر رضي الله عنه، وعمر رضي الله عنه حين حث النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة، فقال عمر: الآن أسبق أبا بكر، ثم جاء بنصف ماله، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم:"ما تركت لأهلك؟ " قال: