للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشطر، ثم جاء أبو بكر بكل ماله فقال: "ماذا تركت لأهلك؟ " قال: تركت لهم الله ورسوله. فقال عمر: لا أسابق أبا بكر بعد هذا أبدا. فأبو بكر رضي الله عنه أتى بكل ماله ليتصدق به.

فالجواب- كما قال أهل العلم-: إن الإنسان له أن يتصدق بكل ماله بشرط أن يعلم من نفسه الصبر، ويعلم من أهله الصبر، أما إذا كان لا يعلم الصبر على التقشف لا هو ولا أهله، فإنه لا يتصدق بكل ماله، بل يجب عليه أن يبقي كفايته.

قال: "ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله"، "يستعفف" "يستغن" الفرق بينهما أن الاستعفاف: فيما يتعلق بالشهوة الجنسية، والاستغناء: فيما يتعلق بالمال؛ يعنى: من يستعفف عن المحرم سواء كان ذلك نظرًا أو لمسًا، أو قولًا، أو فعلًا، يريد به الزنا الأكبر فمن استعف أعفه الله عز وجل، قال الله تعالى: {وليستعفف الذين لا يجدون نكاحًا حتى يغنيهم الله من فضلة} [النور: ٣٣]. {والقواعد من النساء التي لا يرجون نكاحًا فليس عليهم جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن} [النور: ٦٠]. فمن يستعفف يعفه الله أي: يعينه حتى يكون عفيفًا بدون تكلف العفة؛ لأن تكلف العفة مأخوذ من قوله: "من يستعفف"، أما العفة التي تكون طبيعية فهي قوله: "يعفه الله"، ويحتمل أن يراد بقوله: "يعفه الله" أي: يهيئ له ما يعفه من زوجة أو مملوكة يمين، "ومن يستغن يغنه الله" يعني: من يستغني عما في أيدي الناس من المال فإن الله تعالى يغنيه، وهل المعنى يغنيه الله أي: يرزقه كالًا يستغني به عن غيره أو المعنى: أن الله يجعل الغنى في قلبه، فليس الغنى عن كثرة العرض وإنما الغنى غنى النفس أيهما؟ شامل للأمرين، كم من إنسان خزائنه مملوءة عامرة لكن قلبه معدم- والعياذ بالله- كالأرض الرملية لا تروى من الماء فهو لا يروى من المال أبدًا، وكم من إنسان ليس عنده إلا شيء يسير جدًا فهو كالزجاجة صافية، ولا تشرب ماء، المعني: أنه لا يهتم بشيء قد استغنى قلبه بما في يده من قليل أو كثير، وهذا أمر واضح.

إذن فقوله: "يغنيه الله" يشمل أمرين: الغنى الذي هو كثرة المال، والغنى الذي هو غنى القلب واستغناؤه بما في يده عن طلب غيره.

من فوائد هذا الحديث: أولًا: تفاضل الناس في الدرجات لقوله: "اليد العليا خير من اليد السفلى"، وهل يؤخذ منه التفاضل في الإيمان؟ ننظر من فوائد الحديث أن المعطى خير من الأخذ وهو واضح.

ومن فوائده: أن الإنفاق على الأهل أفضل من الإنفاق على غير الأهل.

<<  <  ج: ص:  >  >>