بخمسين، بل بثمانين لماذا؟ قالوا: لأني لو أقول: هذه السلعة بخمسة عشر قالوا: هذه السلعة بائرة، فهل يجوز لهذا الرجل أن يفعل هذا الفعل؟ نقول: إن في هذا ضررًا على الناس، والواجب على أهل الحسبة في الأسواق أن ينظروا، فإذا كانت القيمة خمسة عشر مشوا إلى البائعين الآخرين، وإذا كانوا قد رفعوا القيمة عن هذا المعتاد أجبروهم على أن ينزلوا القيمة، حتى يعرف الناس أن كل الذي في السوق على حدّ سواء، وغالب الناس بما يصنعون أو يشاهدون -كما يقول العامة: هذا عقله في عيونه- إذا سمع أن الثمن كثير، قال: هذه السلعة جيدة وإذا كان الثمن قليلًا -حتى لو كانت السلعة جيدة- قال: هذه بائرة ليست بشيء.
هذا الحديث أتى به المؤلف رحمه الله بعد حديث أنس ليستدل به على أنه إذا كان سبب الغلاء احتكار الناس، أي: الناس الذين احتكروا ويجب أن يسعر عليهم، وأن يبيعوا بربح مناسب.
من فوائد الحديث: تحريم الاحتكار لقوله: "لا يحتكر إلا خاطئ".
ومن فوائده أيضًا: عموم تحريم الاحتكار في أي شيء؛ لأن الحديث مطلق لم يقيّد.
ومن فوائده أيضًا: وجوب النُّصح للمسلمين؛ لأن الاحتكار على خلاف النصيحة، والواجب على المؤمن أن ينصح لإخوانه المؤمنين، وألا يحتكر عليهم السلع التي يريدونها.
ومن فوائد الحديث: أن الذي يبيع كما يبيع الناس ويسهِّل للناس فإنه مصيب، وأخذ هذا من إثبات الخطأ للمحتكر، فيكون من وسّع على الناس وبذل الشيء مصيبًا ليس بخاطئ.
بيع الإبل والغنم المصرَّاة:
٧٨١ - وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"لا تصرُّوا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد فهو بخير النَّظرين بعد أن يحلبها، إن شاء أمسكها، وإن شاء ردَّها وصاعًا من تمرٍ". متَّفق عليه.
-ولمسلم:"فهو بالخيار ثلاثة أيَّام".
-وفي روايةٍ له علَّقها البخاريُّ:"وردَّ معها صاعًا من طعام لا سمراء"، قال البخاريُّ: والتَّمر أكثر.
"لا تصرُّوا""لا" ناهية، و"تصرُّوا" فعل مضارع مجزوم بلا الناهية وعلامة جزمه حذف النون، والواو فاعل، وهي مروية بوجهين:"تَصرُّوا"، و"تُصرُّوا" والأرجح الأخير، مأخوذة من التَّصرية وهي الجمع.
وقوله:"الإبل والغنم" أي: لبن الإبل والغنم، وكانوا يجمعون لبنها في ضروعها ليظن من رآها