"الحج"، في اللغة: القصد، يقال: حج كذا، بمعنى: قصد، وأما في الشرع: فهو التعبُّد لله تعالى بأداء المناسك على صفة مخصوصة في وقت مخصوص، والحج أحد أركان الإسلام، هذه منزلته من الدين، وهو فريضة بإجماع المسلمين، وفرضه معلوم بالضرورة من الإسلام، ولهذا من أنكر فرضيته وهو مسلم عائش بين المسلمين فهو كافر؛ لأنه مكذب لله ورسوله وإجماع المسلمين، ولكن من نعمة الله عز وجل أنه لم يفرضه على العباد إلا مرة واحدة وذلك لمشقة التكرار إليه كل عام من جهة، ولضيق المكان لو اجتمع العالم الإسلامي كلهم من جهة أخرى؛ لأنه لا يمكن أن يتسع المكان لهم.
[متى فرض الحج؟]
فرض سنة تسمع أو عشر من الهجرة، ومن زعم من العلماء أنه فرض في السنة السادسة واستدل بقوله تعالى:{وأتموا الحج والعمرة لله}[البقرة: ١٩٦]. فإن هذا ليس بصواب؛ لأن الله يقول في الآية:{وأتموا الحج}، والإتمام لا يكون إلا بعد الشروع، وهي نزلت في غزوة الحديبية حين خرج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة معتمرًا ومعه من أصحابه ألف وأربعمائة تقريبًا وصدّهم الكفار عن الدخول، فقال الله:{وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم} يعني: منعتم من الوصول إلى المسجد الحرام {فما استيسر من الهدي}. فهي نازلة في وجوب الإتمام لا في فرضية الابتداء، أما فرض الحج ففي قوله تعالى:{ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا}[آل عمران: ٩٧] وهذه الآية في سورة آل عمران في عام الوفود في السنة التاسعة من الهجرة، ويؤيد ذلك من حيث المعنى: أن مكة قبل السنة الثامنة كانت تحت قبضة المشركين الذين كانوا يتحكمون فيها؛ ولهذا منعوا الرسول صلى الله عليه وسلم من الوصول إليها في السنة السادسة من الهجرة، ومن رحمة الله عز وجل وحكمته: إلا يفرض على عباده الوصول إلى شيء يشق عليهم الوصول إليه، أو لا يمكنهم الوصول إليه فكان من الحكمة والرحمة تأخير فرضه إلى السنة التاسعة أو العاشرة على خلاف بين العلماء.
ثم أعلم أن الله عز وجل جعل أركان الإسلام على نوعين: فعل وترك، والفعل عمل، وبذل الطهارة