عمل، فيه بذل المال أم لا؟ لا، الزكاة بذل مال ما فيها عمل، غاية ما فيها أن تخرج الدراهم من جيبك وتعطيها للفقير، وقد يكون فيها عمل إذا كان الفقير بعيدا لكن هذا العمل غير مقصود، يعني: العمل الذي لا يمكن إيصال الزكاة إلى الفقير إلا به هذا ليس مقصودًا لذاته، ولكنه مقصودٌ لغيره من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب؛ هناك تزك محبوب وهذا في الصيام.
وإنما جعل الله أركان الإسلام تدور على هذا ليختبر العباد؛ لأن من العباد من يسهل عليه أن يقوم بالعمل البدني ولكنه يبخل بالبذل المالي، ومن الناس من يكون بالعكس، وفي الصيام كذلك من الناس من يقول: أن صيام يوم عندي أشد من عمل سنة؛ ولهذا استحسن بعض العلماء ما ليس بحسن، فقد روي أن أحد الخلفاء أو الولاة كان قد وجب عليه أن يعتق فاستفتى في ذلك فأفتاه بعض العلماء أن يصوم بدلًا من العتق، فقيل له: لماذا تأمره بالصوم وهو في المرتبة الثانية بعد العتق؟ فقال: لأن الصوم أشق عليه؛ فهو - المفتي - يرى أن هذا يسهل عليه أن يعتق مائة رقبة، فما رأيكم في هذه الفتوى؟ غير صحيحة؛ لأن الذي قال:{فمن لم يجد فصيام} هو الذي يعلم بحال عباده، وهو الذي شرع لهم، هذا استحسان في غير محله، لكنني أتيت به ليتبين أن من الناس من يهون عليه بذل المال وإتعاب البدن، ويشق عليه ترك المألوف من الأكل والشرب والنكاح، فلهذا جاءت الأركان على هذا النحو متنوعة كما يأتي: الأول: عمل بدني، والثاني: بذل مالي، والثالث: ترك.
يقول بعض الناس: هناك قسمٌ رابع وهو الجمع بين بذل المال وتعب البدن وهو الحجّ، ولكن هذا غير صحيح؛ لأن الإنسان يمكن أن يحج ولا يتكلف نقودًا إذن ليس الحج عبادة مالية، نعم يجب فيه الهذي أحيانًا تكميلًا له، لكن أصل العمل ليس ماليًّا، لكن الذي فيه الجمع بين المال والعمل والتزك والبذل هو الجهاد في سبيل الله فجاهد بالمال وأنت على فراشك إذن هو عبادة مالية تجاهد بنفسك ولا تنفق قرشًا واحدًا تخرج إلى الجهاد بنفسك، صار الآن بدنيًا محضًا وماليًّا محضًا ويمكن أن تجمع يمكن أن تكون الجيهة فتحتاج إلى شراء راجلة فتجمع بين بذل المال وجهد البدن، وفيه ترك للمألوف وهو ترك أهله، وفيه تعريض بترك الدنيا كلها؛ لأن الإنسان يعرض رقبته لمن يريد أن يقطعها يعرضها لعدوه الذي هو حريص غاية الحرص على أن يبين رأسه من جسمه، لكن قد تقولون لي: إن الإنسان المجاهد ليس يذهب إلى الجهاد ويقف أمام العدو ويدلي برأسه إليه ويقول: تفضل لكنه مظنَّة.
إذن ممكن أن نقول: الأعمال التكليفية: عمل بدن، بذل مال، ترك مألوف، جمع بين هذه الثلاثة، وهذه من حكمة الله عز وجل ليقوم الإنسان بجميع العبادات المطلوبة منه سواء هذه أو هذه أو هذه.