للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والنَّهار لا يفترون} [الأنبياء: ٢٠]. ومع ذلك فلهم سرعة عظيمة في الذهاب والمجيء أشد من سرعة الجن، دليل هذا: {قال عفريتٌ من الجن أنا ءاتيك به قبل أن تقوم من مَّقامك وإنِّي عليه لقويٌ أمينٌ (٣٩) قال الَّذي عنده علمٌ من الكتاب أنا ءاتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك} [النمل: ٤٠]. هذا أسرع من السريع، قال العلماء: إن هذا الذي عنده علم من الكتاب دعا الله فحملته الملائكة وجاءت به في هذه اللحظة العظيمة من اليمن وهو في الشام.

[حكم تسجية الميت]

٥١٣ - وعن عائشة رضي الله عنها: ((أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم حين توفِّي سجِّي ببردٍ حبرةٍ)). متَّفقٌ عليه.

((سجِّي)) بمعنى: غطي، وقوله: ((حبرة)) أي: معلمة، والبرود: نوع من الثياب تأتي من اليمن، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبها فسجَّوه بها، وتسجيتهم إيَّاه بها مع بقاء ثيابه عليه بدليل ما سيأتي- إن شاء الله تعالى- أما غير النبي صلى الله عليه وسلم فإنه تخلع ثيابه ثم يغطى، قال أهل العلم: الوحكمة من ذلك لئلا يحتمي مع بقاء ثيابه عليه فيسرع إليه من الانتفاخ والتغير فيسجى بعد أن تنزع ثيابه.

يستفاد من هذا الحديث: مشروعية تسجية الميت، يؤخذ من تسجية الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم ولكن قد يقول قائل: هذا فعل الصحابة، وليس هذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حتى نقول: إن الوحي أقره، فما هو الجواب على هذا الاعتراض؟ لا شك أن هذا صادر بعد موافقة الخلفاء الراشدين، والخلفاء الراشدون لهم سنن متَّبعة، ثم نقول: إن هذا إذا صح سيأتي حين قالوا: ((أنجرد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نجرد موتانا؟ فسمعوا هاتفًا يهتف: أن غسِّلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قميصه))، إذا صح هذا فإن إقرار الله لهم بالتسجية بدون أن يهتف هاتف يدل على أنها مشروعة.

وها يستفاد من الحديث أن يسجَّى الميت بما يحب أن يستعمله في حياته؟ نعم إذا صحت العلة التي ذكرها بعض شراح الحديث من أن الرسول صلى الله عليه وسلم سجي بهذه البردة لأنه كان يحب ذلك.

[حكم تقبيل الميت]

٥١٤ - وعنها: ((أنَّ أبا بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه قبَّل النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بعد موته)). رواه البخاريُّ.

وسبب ذلك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبح يوم مات أحسن منه من الأيام التي قبلها، وكان أبو بكر رضي الله عنه ملازمًا للبقاء في المدينة حين مرض النبي صلى الله عليه وسلم واشتداد المرض به، فلما رآه قد أصبح بارئًا وأصبح من ذي قبل خرج إلى مكان له يسمى السنح- خارج المدينة- فتوفي النبي

<<  <  ج: ص:  >  >>