الذي لا يدع هذه الأمور الثلاثة- وهنا يقول: والجهل، بالنصب معطوفة على "قول الزور""فليس لله حاجة"، الحاجة هنا بمعنى: الإرادة، أي: فليس لله إرادة في كذا وكذا، يعني: أن الله ما أراد من الصائم أن يمتنع عن الأكل والشرب فقط والنكاح، وإنما أراد أن يدع، هذه الأمور هذه هي الحكمة الشرعية من وجوب الصوم، ويدل لذلك قوله تعالى:{يأيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصّيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}[البقرة: ١٨٣]. هذه هي الحكمة من الصوم، ولهذا لو أننا أخذنا بهذه الحكمة في نهار رمضان ما خرج رمضان إلا وقد تغير الإنسان في عبادته لله وفي سلوكه مع عباد الله، فهو يدع قول الزور والعمل بالزور والسفه.
إذن لا يخرج رمضان-ثلاثون يومًا- إلا وقد تكيف بهذه العادات الفاضلة، وهي: ترك الزور قولًا وفعلًا، وترك السفه، لكن نحن نشاهد كثيرًا من المسلمين أو أكثرهم يدخل رمضان ويخرج لا يتأثرون به؛ لماذا؟ لأنهم لم يحافظوا على ما أرشد الله إليه ورسوله في ملازمة التقوى وترك الزور قولًا وفعلًا وترك السفه.
وقوله:"فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" نص عليه: لأن الطعام والشراب لازم لكل صائم، أما النكاح الذي أشار الله إليه في قوله:{بشروهن}[البقرة: ١٨٧]. فهو يختص به من كان ذا زوج، وأما من ليس بذي زوج فإنه يدع الطعام والشراب.
من فوائد الحديث: بيان الحكمة من الصوم وهي اجتناب هذه الأشياء الثلاثة قول الزور والعمل به والسفه.
فيستفاد منه فوائد منها: الحكمة من الصوم وأن من أعظم حكمه مع كونه عبادة أن يتجنب الإنسان حال صومه هذه الأمور الثلاثة. هل يدخل فيها ترك الواجب؟ يدخل فيها ترك الواجب؛ لأن ترك الواجب من الزور، فيدخل في أنه يجب أن نتجنب هذا.
[هل تبطل الغيبة الصيام؟]
ويستفاد من الحديث: أن لهذه الأشياء الثلاثة أثرا بالغًا في الصوم لقوله: "فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"، لكن هل تبطل الصوم؟ جمهور أهل العلم على أنها لا تبطل على أنها تحرم، ويزداد تحريمها حال الصوم، لكنها لا تبطل الصوم، إنما ربما تكون آثامها مكافئة لأجور الصوم، وحينئذٍ يبطل الصوم من حيث الأجر لا من حيث الإجزاء.
قال الإمام أحمد وقد ذكر له عن بعض السلف أن الغيبة تفطر-: لو كانت الغيبة تفطر لم يبق لنا صوم، وهذا صحيح، لو قلنا: إن الإنسان إذا اغتاب رجلًا فهو كما لو أكل تمرة لكان لا يبقى أحد صحيح الصوم إلا نادرًا؛ لأن كثيرًا من الناس اليوم- نسأل الله لنا ولهم الهداية- لا