هي المحبة ماذا نقول؟ نقول: ميل الإنسان إلى الشيء، إذا قلت: ميل الإنسان إلى الشيء، فمعناه: أنك عرفت المحبة بأثرها؛ لأن الميل إلى الشيء نتيجة المحبة؛ ولهذا لما ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه "روضة المحبين" تفسيرات للمحبة أظن أنها بلغت العشرين قال: "ولا يمكن أن تحد المحبة بأحسن من لفظها". المحبة المحبة، الكراهة الكراهة، الحزن الحزن، الحياء أيضا لا يمكن أن تحده بأوضح من لفظه، وأما قول من قال: انكسار يأخذ الإنسان عند فعل ما يخجل أو ما أشبه ذلك، فهذا إنما هو آثاره.
إذن نقول: في هذا الحديث شدة استحياء النبي صلى الله عليه وسلم أن يرى على صفة مكروهة، من أين تؤخذ؟ "فانطلق حتى توارى عني".
ويؤخذ منه فائدة أيضا: أنه ينبغي للإنسان إذا كان في برية، وأراد قضاء الحاجة أن يبتعد حتى لا يرى، وما أبعد ما يمشي إذا كان في أرض مستوية.
[الأماكن المنهي عن التخلي فيها]
٨٣ - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا اللاعنين: الذي يتخلى في طريق الناس، أو ظلهم". رواه مسلم.
قوله:"اتقوا" أي: احذروا؛ لأن التقوى معناها: اتخاذ الوقاية من محذور، فيكون معنى اتقوا: احذروا، وقوله:"اللاعنين" اسم فاعل، وهل هو على ما اشتق منه، أي: إنه اسم فاعل، أو إنه فاعل بمعنى مفعول؟ يحتمل هذا وهذا، فعلى الأول "اتقوا اللاعنين" أطلق عليه اسم اللاعن؛ لأنه يكون سببا في اللعن، وعلى الثاني يكون بمعنى مفعول؛ لأن اسم الفاعل يأتي بمعنى اسم المفعول كما في قوله:{فهو في عيشة راضية}[الحاقة: ٢١]. أي: مرضية، على كل حال حتى إذا قلنا: إنها بمعنى اسم مفعول؛ أي: الملعونين؛ فالمراد بالملعون هو الفاعل، ومعنى اللعن: هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله.
وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن اللاعنين، فقال:"الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم". "يتخلى"؛ أي: يقضي حاجته ويفرغ ما في بطنه من الأذى، "في طريق الناس"؛ أي: ما يستطرقه الناس، "أو ظلهم" أي: ما يستظلون به، وذلك أن الناس في أيام الصيف يحتاجون إلى الظل فيستظلون عن الشمس بظل الجدران أو الأشجار أو غيرها؛ وذلك لأن الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم لا شك أنه يؤذيهم من عدة أوجه:
أولا: من حيث الرائحة؛ لأن رائحة الخلاء خبيثة منتنة.