ثانيا: من حيث التقزر والتكره؛ لأن الإنسان إذا رأى الخلاء فإنه يتكره هذا الشيء ويتضرر منه ويتقزز، وربما يكون من بعض الناس الذين لا يقدرون على رؤية ما يكرهون حتى يتقيئوا.
ثالثا: أنه يؤذيهم من حيث تلوثهم به، فإنهم إذا تلوثوا بهذا الخلاء ماذا يحدث؟ يحدث تنجس أرجلهم أو خفافهم أو ثيابهم أيضا.
رابعا: فيه أذية من حيث حرمانهم من هذا المجلس الذي يأوون إليه يتحدثون، يذهبون عنهم السآمة والملل؛ فلهذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم التخلي في هذا من أسباب اللعن، أي: أن الإنسان يلعن بسبب ذلك.
ففي هذا الحديث فوائد: منها: تحريم التخلي في الطريق، وتحريم التخلي في الظل، ووجه التحريم ظاهر وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم جعله سببا للعن.
ومن فوائد الحديث: أن المتسبب في الإثم كالمباشر؛ لأننا نعلم أن اللاعن ليس هو المتخلي. من اللاعن؟ الناس الذين يتأذون بهذا؛ ولهذا نقول: المتسبب في الإثم كالمباشر، أما في الضمان فإنه يختلف على تفصيل عند الفقهاء.
ومن فوائد هذا الحديث: جواز لعن من فعل ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن هذا محذرا من أن تقع اللعنة على الفاعل، ولا يمكن أن تقع اللعنة على الفاعل إلا إذا كان اللاعن محقا، أما إذا كان غير محق فلا يمكن أن تقع اللعنة على الملعون، وعلى هذا فيجوز أن يلعن الإنسان فاعل ذلك، ولكن هل يلعنه على سبيل التعيين، يعني: لو فرض أن الإنسان شاهد هذا الإنسان الذي يتخلى في الطريق أو في الظل هل يلعنه بعينه؟ الذي نرى أنه من الورع ألا يلعنه بعينه، ولكن يقول: اللهم العن من فعل كذا؛ لأن من المعلوم أن لعن المعين حرام، حتى لو كان من أكفر عباد الله، حتى لو رأيت رجلا يسجد لصنم لا تقل: اللهم العنه، فهذا - أعني: التخلي في ظل الناس أو طريقهم- ليس أشد من عبادة الصنم.
ومن فوائد هذا الحديث: حماية الشريعة الإسلامية لأمتها من الأذى؛ لأن الغرض من ذلك هو تحذير الناس من أذية المؤمنين، الرسول - عليه الصلاة والسلام- لم يأمرنا أن نتقي اللاعنين من أجل أن نعرف أنه ملعون، بل من أجل التحذير من أذية المؤمنين، وقد قال الله - تبارك وتعالى-: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنت بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتنا وإثما مبينا}[الأحزاب: ٥٨].
ومن فوائد هذا الحديث: أنه لو كان الطريق واسعا، والناس يستطرقونه من وسطه أو من